للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

هذا المصلي، وهو في الصلاة: يقصد به بذل الجهد في أدلة القبلة؟ وهل يصح ذلك منه وهو الصلاة، أو أن هذا مال قلبه إلى جهة أخرى؟ الظاهر الثاني؛ لأن في الصلاة شغلًا عن الاجتهاد، والنظر في علامات القبلة، وإنما يكون الاجتهاد قبل الصلاة.

إذا علم ذلك، فهذا المصلي وإن انتفى عنه التحري في مفهومه الأول، فلم يَنْتَفِ عنه التحري في مفهومه الثاني، فالذي صلى بلا اجتهاد، ولا تقليد لن يصلي إلا إلى جهة تميل إليها نفسه، جعلته يأخذ بهذه الجهة وحدها دون غيرها، وهذا الميل يخرجه من الشك: وهو التردد المساوي، وينقله إلى غلبة الظن، وإن كان الظن بعضه أقوى من بعض، وهذه الحالة من أقل درجاته، فمثله يكفي في العبادة، لقوله : فَلْيَتَحَرَّ الصوابَ، ثم لِيُتِمَّ عليه (١)، فإذا علم أنه أصاب، صحت صلاته، وبهذا أخذ شيخنا محمد بن عثيمين يرحمه الله، والله أعلم (٢).

• ويناقش:

بأنه لا اختلاف بأن التحري درجات، ولكن السؤال: من قدر على الاستدلال، وعرف الأدلة المنصوبة لمعرفة القبلة، فهل يجزيه أن يترك هذا، ويأخذ بجهة لم يستدل عليها، وإنما ركنت إليها نفسه دون استدلال، ولا بذل جهد؟

فإذا كان لا يجوز الاجتهاد مع إمكان اليقين، فكذلك لا يجوز الصلاة بمجرد ميل القلب مع إمكان الظن في حق من يمكنه النظر في الأدلة المنصوبة على القبلة.

إن قياس هذا الرجل العالم بأدلة القبلة على رجل لا يحسن الاستدلال، ولم يجد من يقلده، فتحرى، وبذل جهده، فصلى إلى جهة تركن إليها نفسه، قياس الأول على الثاني قياس مع الفارق، فكيف إذا دخل في الصلاة ولم يبذل جهدًا مع قدرته على معرفة القبلة؟ وليس مَعَنَا من فعله إلا إحسان الظن به أنه لن يفعل إلا وقد مال قلبه إلى جهة من الجهات.

والدليل على وجود الفارق بين الرجلين: أن المجتهد إذا بذل جهده فالأصل في صلاته الصحة ولو أخطأ، والثاني: الأصل في صلاته الخطأ، فلا تصح حتى


(١) رواه البخاري (٤٠١)، ومسلم (٥٧٢) من حديث ابن مسعود.
(٢) انظر الشرح الممتع (٢/ ٢٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>