للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أصاب، فإن تيقن في أثناء صلاته لم تصح» (١).

• وجه قول الحنفية:

أن الرجل إذا صلى من غير شك في القبلة، ولا تَحَرٍّ، فصلاته جائزة؛ لأن التحري لا يجب عليه إذا لم يكن شاكًّا.

ولأن فعل المسلم محمول على الصحة ما أمكن اعتبارًا بالظاهر، حتى يتبين خلافه، فإن تبين، أو غلب على ظنه أنه أخطأ، فعليه الإعادة؛ ولو بعد الفراغ منها؛ لأن الثابت باستصحاب الحال يرتفع بالدليل؛ لأن ما ثبت بالدليل فوق ما ثبت بالاستصحاب، ولأن الظاهر يسقط اعتباره إذا تبين، أو غلب على ظنه الخطأ.

ولأن الحكم بجواز الصلاة هنا لانعدام الدليل المفسد، لا للعلم بالدليل المجوز، فإذا ظهر الدليل المفسد، وجبت الإعادة.

وأما إذا شك، فصلى، ولم يَتَحَرَ، فصلاته باطلة؛ لأنه لما شك لزمه التحري، وصار التحري فرضًا من فرائض الصلاة إلا أن يعلم يقينًا أنه أصاب القبلة (٢)؛ فتصح صلاته.

وإنما صحت صلاته إذا تيقن الإصابة؛ لأن التحري مطلوب لغيره، وما افترض لغيره يشترط حصوله، لا تحصيله، فإذا تيقن الإصابة دون الاجتهاد، فقد حصل المطلوب، بشرط أن يكون العلم بالصواب حصل له بعد الفراغ من الصلاة؛ لأنه إذا تيقن الإصابة في أثناء الصلاة بطلت صلاته؛ لأن حاله بعد العلم أقوى من حاله قبله، وبناء القوي على الضعيف لا يجوز عندهم، كما قالوا في بطلان صلاة المومئ إذا قدر على القيام بوسط الصلاة، فإنه يستقبل؛ لما ذكرنا، بخلاف ما إذا تيقن الصواب بعد الفرغ من الصلاة.

واشترط الحنفية في الأظهر يقين الإصابة؛ لأن الأصل أن صلاته لا تصح إذا شك ولم يَتَحَرَّ استصحابًا للحال؛ فإذا تبين يقينًا أنه أصاب ثبت الجواز، وبطل الاستصحاب.


(١) الأصل للشيباني ط القطرية (٢/ ٢١٩)، المبسوط (١٠/ ١٩٢)، بدائع الصنائع (١/ ١١٩)، تبيين الحقائق (١/ ١٠٢)، البحر الرائق (١/ ٣٠٣)، حاشية ابن عابدين (١/ ٤٣٥).
(٢) اشترط الحنفية لصحة الصلاة العلم بالإصابة، فلا يكفي أن تكون الإصابة مظنونة، قال ابن عابدين في حاشيته (١/ ٤٣٥): «حتى لو كان أكبر رأيه أنه أصاب فالصحيح أنه لا يجوز كما في الحلية عن الخانية».

<<  <  ج: ص:  >  >>