يترك المصلي القبلة ناسيًا، ولا جاهلًا، وإنما بذل وسعه، واجتهد في معرفة القبلة، وظن القبلة في إحدى الجهات، فصلى ممتثلًا الأمر الشرعي، ولو لم يُصَلِّ لكان آثمًا، فإن كان التكليف في حقه هو الاجتهاد، وبذل الوسع، فقد فعل المأمور.
وإن كان التكليف في حقه هو الإصابة فقد سقط عنه ذلك بالعجز، وجميع أحكام الشريعة تسقط بالعجز عنها، وقد كان حين صلى عاجزًا عن إصابة القبلة، وكونه قدر على معرفة القبلة بعد الفراغ من الصلاة، لا يبطل ما صلاه وقت عجزه، كما لو قدر المتيمم على الماء بعد الصلاة لم تبطل صلاته؛ لتحصيل المأمور، وكما لو عجز عن الصلاة قائمًا، فصلى قاعدًا، ثم قدر على القيام بعد الفراغ من الصلاة فإنه لا يكلف الإعادة، فكذلك تحصيل القبلة، والله أعلم.
الدليل الثالث:
أن هذا المجتهد قد تبين غلطه، فأشبه من اجتهد في الوقت، وصلى قبله غلطًا، أو الأسير إذا اجتهد في رمضان، فصام قبله غلطًا.
• ويناقش:
بأن فعل العبادة قبل وقتها أداءٌ لها قبل وجوبها عليه، فلم تجزئ، وليست الإعادة فقط لكونه أخطأ بالاجتهاد، بخلاف الاجتهاد في القبلة.
قال أبو الحسن القصار من المالكية وبعض الشافعية إن الغالط في رمضان وفي الوقت مأمور في هاتين المسألتين بطلب اليقين إذا أمكنه، فصار كالمتعدي في اجتهاده.
والغالط في القبلة غير متعدٍّ في اجتهاده؛ إذ لو انتظر، واستظهر لما تيقن القبلة، ومن كان متعديًا في اجتهاده، ومقتصرًا على الظن مع القدرة على اليقين، لم يعذر بغلطه، ومن كان غير متعدٍّ في اجتهاده، ولا قادر على اليقين عذر في اجتهاده (١).
وقد ناقشت مسألة العمل بالظن في دخول الوقت، فارجع إليه غير مأمور.
الدليل الرابع:
بأن إصابة القبلة ليس أمرًا عسيرًا، فلما غلط هذا المجتهد تبين أن غلطه إنما كان سببه التقصير في الاجتهاد، ولو أعطى النظرَ في الأمارات حقَّهُ لأصاب القبلة،