أو يصلي بتقليد أحد المجتهدين ممن استفرغ وسعه وطاقته لمعرفة القبلة.
فالأول لا يمكن؛ لأن الصلاة غاية، والشرط وسيلة، ولا تضيع الغاية لعجزه عن وسيلتها، وكما لو عجز عن تحصيل الطهارة بالماء والتراب فإنه يصلي بلا طهارة على الصحيح، ولا يدع الصلاة، فكذلك هنا، فعلى تقدير أن يكون الاجتهاد في معرفة القبلة فرضًا عينيًّا عليه فإنه لا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة، وعلى تقدير أنه قام بتأخير الصلاة عن وقتها، فقد يتمكن من معرفة القبلة بالاجتهاد، وقد يتحير، فلا يهتدي إلى معرفة القبلة، فكيف يؤخر الصلاة عن وقتها لمصلحة مظنونة، ليس متأكدًا من تحصيلها؟
وكما أنه إذا عدم الماء في الوقت، كان له أن يتيمم، ولو رجا حصوله بعد خروج الوقت، فكذلك هنا.
فبقي إما أن يصلي بلا اجتهاد، أو يقلد مجتهدًا آخر. والثاني أرجح بلا شك، فقد حصل له بالتقليد البناء على ظن مجتهد قد استفرغ جهده وطاقته في معرفة القبلة، فكان خيرًا له من أن يصلي بلا ترجيح، فتعين. والله أعلم.
وقد قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣]. فقوله: إن كنتم لا تعلمون فإطلاق الآية يشمل المجتهد وغيره، والمجتهد قبل اجتهاده لا يعلم.
وكون الشافعية يأمرونه بالصلاة تقليدًا، ويوجبون عليه الإعادة تناقض؛ لأن صلاته بالتقليد إن كانت صحيحة فلا معنى لإعادة الصلاة، وإن كانت باطلة فكيف يؤمر بما هو باطل؟
ولم يوجب الله الفرض الواحد مرتين، ومن صلى ممتثلًا الأمر الشرعي فقد برئت ذمته، وسقط القضاء عنه.
•الراجح:
أرى جواز تقليد المجتهد لمجتهد آخر في حال السعة، ويجب إذا ضاق