للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

• وجه قول الحنفية:

أن هناك فرقًا بين قبول خبر الفاسق في الرواية، وبين الإخبار بجهة القبلة، أو بنجاسة ماء أو طهارته، أو حرمة طعام أو حله، فنقل الفاسق للحديث غير مقبول أصلًا، وقع في قلب السامع صدقه أم لا؛ احتياطًا للدين وصيانة له عن التحريف والتبديل، بخلاف إخباره عن جهة القبلة، أو عن حرمة طعام أو حله، أو نجاسة ماء أو طهارته حيث يقبل إذا تأيد بأكبر الرأي؛ لأن ذلك أي الحرمة والحل والنجاسة والطهارة أمر خاص ربما يتعذر الوقوف عليه من جهة غيره، فإذا انْضَمَّ إليه غلبة الظن بصدقه قبل قوله، ولأن الله سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق وتكذيبه جملة، وإنما أمر بالتبين، فإذا قامت قرائن وغلب على الظن صدقه عمل بقوله، من باب تحكيم الرأي للضرورة (١).

• الراجح:

أن خبر الفاسق مقبول إذا كان فسقه ليس بسبب الكذب، وكثير من الفساق يصدقون في أخبارهم ورواياتهم وشهاداتهم، بل كثير منهم يتحرى الصدق غاية التحري، وفسقه لضعفه أمام بعض الشهوات، فمثل هذا لا يرد خبره ولا شهادته، ولو ردت شهادة مثل هذا وروايته لتعطلت أكثر الحقوق، وبه قال ابن القيم (٢).

ولو أخبر جماعة من الفساق بلا مواطأة عن جهة القبلة قبل خبرهم؛ لأن العدد قرينة يقوي جانب الصدق (٣).

ومنطوق الآية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات: ٦] الأمر بالتبين، عند خبر الفاسق الواحد، فلا يدخل في الآية خبر الفاسقين، وذلك أن خبر الاثنين، يوجب من الاعتقاد، ما لا يوجبه الواحد، ومع الكثرة فقد يوجب العلم.

* * *


(١) انظر شرح أصول البزدوي (٣/ ١٢، ٢٣)، فتح القدير لابن الهمام (١٠/ ١١).
(٢) انظر التفسير القيم لابن القيم (ص: ٤٧٩).
(٣) انظر مغني المحتاج (١/ ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>