قال في الإنصاف:«ويكفي مستور الحال أيضًا، صححه ابن تميم وجزم به في الرعاية الصغرى، والحاويين»(١).
ولأن المقصود بالعدالة هنا مطلق العدالة، وهو عدم العلم بالمفسق،، وليس المراد ثبوت العدالة، أي العدالة المطلقة، فإذا لم يثبت جرحه، ولو لم تعلم عدالته قبل خبره؛ لأننا أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق، والمستور ليس بمحقق الفسق؛ لأنه مجهول الحال.
ولأن التثبت من خبر الفاسق في الآية هل هو مطلوب مطلقًا، أو مطلوب إذا كان يترتب على قبوله ما ذكره الله في قوله تعالى: ﴿أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: ٦].
وقبول خبره في القبلة لا يُخْشَى فيه ما حَذَّرَتْ الآية منه.
فالتثبت من خبر الفاسق ليس رَدًّا لقوله، وإنما هو جبر لصفة النقص القائمة بالمخبر إذا ترتب على قبول خبره عقاب للآخرين، كما طُلِبَ أربعةُ شهودٍ لثبوت الزنا، وإن كان القتل، وهو أعظم منه يثبت بشاهدين؛ لأن الزنا لما كان يصعب الوقوف على تحقق وقوعه من الرجل والمرأة دفع احتمال الخطأ بتكرار الشهود.
ولا يقاس الإخبار بالقبلة على الإخبار بالرواية، والتي يشترط فيها ثبوت العدالة الباطنة؛ لأن الرواية شريعة عامة، فيحتاط للملة؛ صونًا لها أن يزاد فيها ما ليس منها، ما لا يحتاط لغيرها؛ ولأن أحكام الشريعة تعم، وضرر الخطأ فيها أعظم بخلاف الإخبار عن القبلة والأذان، ونجاسة الماء ونحوها، فشأنها أقل، وضرر الخطأ فيها محدود، فاكتفي بالعدالة الظاهرة.
ولأن اشتراط العدالة الباطنة في مثل هذه الأخبار قد لا يتيسر، فخفف ذلك، بخلاف حمل الشريعة ورواية أحاديثها، فيتشدد في شروط الرواية لما قد علمت، ولذلك لما احتاج الأئمة إلى رواية المبتدع قبلوها صونًا للشريعة من الضياع، وردوا رواية الداعية إذا كان ما يرويه مؤيدًا لبدعته، وإن كان المبتدع ناقص العدالة، لكنه لما كان متأولًا متدينًا ببدعته قبلوا روايته.