بعضها إذا صلى داخلها إلا باستدبار بعضها، ولا يجوز ذلك عند من ذهب إلى أن الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده في كل باب.
والصواب من القول في هذا الباب عندي قول من أجاز الصلاة كلها في الكعبة إذا استقبل شيئًا منها؛ لأنه قد فعل ما أُمِرَ به، ولم يَأْتِ ما نُهِيَ عنه؛ لأن استدبارها ههنا ليس ضَّد استقبالها؛ لأنه ثابت معه في بعضها، والضد لا يثبت مع ضده، ومعلوم أن المأمور باستقبال الكعبة لم يؤمر باستقبال جميعها، وإنما توجه الخطاب إليه باستقبال بعضها، والمصلي في جوفها قد استقبل جهة منها وقطعة وناحية فهو مستقبل لها بذلك وقد ثبت عن النبي ﷺ -أنه صلى فيها ركعتين، وهو المبين عن الله مراده، وكل موضع يجوز فيه صلاة النافلة جازت فيه صلاة الفريضة قياسًا ونظرًا إلا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له، على أنه لا يجب لأحد أن يتعمد صلاة الفريضة فيها، ولو صلى فيها ركعتين نافلة لم يكن بذلك بأس، فإن صلى أحد فيها فريضة فلا حرج ولا إعادة.
فإن قيل: إن النافلة قد تجوز على الدابة للمسافر إلى غير القبلة ولا تجوز كذلك الفريضة، فَلِمَ قِيسَتْ النافلة على الفريضة؟
قيل له ذلك موضع مخصوص بالسنة؛ لضرورة السفر، كما تجوز صلاة الفريضة للخائف المطلوب راكبًا مستقبل القبلة وغير مستقبلها؛ لضرورة الخوف وليس ذلك بمبيح له الصلاة المفروضة على الدابة في حال الأمن من غير ضرورة ولا بمبيح ذلك له ترك استقبال القبلة من غير ضرورة، وكذلك الصلاة على الدابة للمتطوع المسافر ليس ذلك بمبيح له الصلاة النافلة ولا الفريضة على الأرض إلى غير القبلة في الحضر؛ لأنها في السفر حال ضرورة خصت بالسنة والإجماع وأما غير ذلك مما تنازع فيه العلماء من هذا الباب فالواجب ألا يفرق بين صلاة النافلة والفريضة، كما أنها لا تفترق في الطهارة، واستقبال القبلة، وقراءة القرآن، والسهو، وسائر الأحكام» (١).