أن يكون ذلك في موضع من الكعبة، ولا خصوصية لهذا الموضع إلا بدليل، كما قال النبي ﷺ -في وقوفه في عرفه: وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف.
وكأن هذا القول مبني على أن الأصل في الصلاة في البيت المنع، فيقتصر في صحة النافلة على المكان الذي فعلت فيه، ولو قيل بتفضيل هذا المكان على غيره، ربما قيل له وجه، أما النهي عن الصلاة مطلقًا إلا ذلك الموضع، فهو قول ضعيف جدًّا، والله أعلم.
وكنت قد تعرضت لأدلة هذه المسألة عرضًا ضمن مسألتين تقدمتا، الأولى: المعتبر في القبلة: البقعة أم البناء، أم الجميع.
ومسألة: صلاة الفريضة في الكعبة، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، وقد رأيت أن أنقل كلامًا جيدًا لابن عبد البر لمن يريد ألا يعود إلى المسألتين السابقتين:
يقول الحافظ في التمهيد: «رواية ابن عمر عن بلال عن النبي ﷺ -أنه صلى في الكعبة أولى من رواية ابن عباس عن أسامة أن رسول الله ﷺ -لم يُصَلِّ فيها؛ لأنها زيادة مقبولة، وليس قول من قال: لم يفعل بشهادة، وهذا أصل من أصول الفقه في الشهادة إذا تعارضت في نحو هذا، فأثبت قوم شيئًا ونفاه آخرون، كان القول قول المثبت دون النافي؛ لأن النافي ليس بشاهد، هذا إذا استويا في العدالة والإتقان، والقول في قبول زيادة الزائد في أخبار على نحو هذا؛ لأن الزيادة كشهادة مستأنفة … ثم ساق بإسناده رواية ابن عمر عن بلال، وقد خرجتها فيما سبق، وأثرًا عن عمر ﵁ يؤيد ذلك، ثم انتقل إلى عرض الأقوال الفقهية المختلفة …
ثم قال ابن عبد البر: «واحتج -يعني المانعين- بقول ابن عباس: أُمِرَ الناس أن يصلوا إلى الكعبة، ولم يؤمروا أن يصلوا فيها.
قال ابن عبد البر: لا يصح في هذه المسألة إلا أحد قولين:
إما أن يكون من صلى في الكعبة صلاته تامة فريضة كانت أو نافلة؛ لأنه قد استقبل بعضها وليس عليه إلا ذلك.
أو تكون صلاته فاسدة فريضة كانت أو نافلة من أجل أنه لم يحصل له استقبال