لا يلزم من القول بصحة صلاة أهل المشرق وأهل المغرب إذا انهدمت الكعبة -لا قدر الله-، وبقيت العرصة خالية من البناء أن يكون هذا دليلًا على أن المطلوب في الاستقبال العرصة، وليس البناء؛ لأنه ليس في قدرة أهل المشرق وأهل المغرب إقامة شاخص في الكعبة يستقبلونه، وهم في المشرق والمغرب، فهذا تكليف بالمحال؛ لأن فرض استقبال القبلة يسقط بالعجز كالخائف والمحبوس بين حائطين وغيرهما وقد قال النبي ﷺ: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.
ولا تسقط الصلاة والطواف لعدم وجود شاخص أصلًا إذا تعذر في تلك الساعة الطواف والصلاة إلى بناء، كما لا يمتنع الصلاة لتعذر شيء من شروطها وأركانها.
قال ابن تيمية:«وذكر ابن عقيل وغيره من أصحابنا أن البناء إذا زال صحت الصلاة إلى هواء البيت مع قولهم: إنه لا يصلي على ظهر الكعبة ومن قال هذا يفرق بأنه إذا زال لم يَبْقَ هناك شيء شاخص مستَقْبَل، بخلاف ما إذا كان هناك قبلة تستقبل ولا يلزم من سقوط استقبال الشيء الشاخص إذا كان معدومًا سقوط استقباله إذا كان موجودًا، كما فرق بين حال إمكان نصب شيء، وحال تعذر ذلك، وكما يفرق في سائر الشرائط بين حال الوجود والعدم والقدرة والعجز»(١).
الدليل الثاني:
أن الرجل لو صلى على جبل أبي قبيس جازت صلاته بالاتفاق، وليس بين يديه شيء من بناء الكعبة فدل أنه لا معتبر للبناء.
• ويناقش:
الفرق بين الصلاة إلى البقعة ليس عليها بناء، وبين الصلاة على أبي قبيس أن المصلي على أبي قبيس مستقبل بوجهه جملة البناء والهواء، فالكعبة كلها بين يديه قبلة شاخصة وإن لم تكن محاذية له، فإن المحاذاة ليست شرطًا للاستقبال، بخلاف استقبال مجرد العرصة، فإنه يستقبل الهواء فقط.
(١) انظر شرح العمدة لابن تيمية -كتاب الصلاة (ص: ٤٩٤).