للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

• وأما وجه من قال بتقديم الروايات المطلقة:

هؤلاء استدلوا بعموم الأحاديث التي لم يصرح فيها بذكر السفر، وأن لفظ السفر في بعض الروايات ليس قيدًا، بل هو مفهوم لقب لا دلالة له، وهو ماشٍ على القاعدة التي تقول: لا يحمل المطلق على المقيد، بل يعمل بكل منهما (١).

ولأن ما نقل من صلاة المصطفى -في السفر فهو فرد من أفراده، لا يقتضي تقييدًا ولا تخصيصًا؛ فإذا جاء فرد من أفراد المطلق أو العام بما يوافق العام لم يقتضِ التقييد ولا التخصيص، بل هو جارٍ على وفق العمل بالعام والمطلق، وإنما التقييد لو كان هذا الخاص أو المقيد يخالف العام والمطلق في الحكم فيحتاج إلى إخراجه بالتخصيص والتقييد من حكم العام والمطلق.

ألا ترى أن قوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾، [البقرة: ٢٣٨]. لا يقتضي تخصيص الصلاة الوسطى بالمحافظة، فكذلك الشأن في هذه المسألة.

وقد قال ابن حزم: «وقد روينا عن وكيع عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يصلون على رحالهم ودوابهم حيثما توجهت بهم، وهذه حكاية عن الصحابة والتابعين عمومًا في السفر والحضر» (٢).

ولأن النفل أوسع من الفرض، فإذا جاز للمتنفل أن يصلي قاعدًا بلا عذر، والقيام من آكد أركان الصلاة، ومراعاة الركن أولى من مراعاة الشرط، جاز للراكب والماشي التنفل في الحضر، ولو كان داخل المصر.

ولأن ذلك لو كان من أحكام السفر لاختص بالسفر الشرعي الذي يبيح القصر والفطر، وقد ذهب جماهير العلماء إلى جواز التنفل على الدابة للراكب والماشي في مطلق السفر ولو كان قصيرًا لا تقصر فيه الصلاة، ولا يباح به الفطر، ولم يخالف في ذلك إلا الإمام مالك .

قال الطبري نقلًا من فتح الباري: «لا أعلم أحدًا وافقه على ذلك، وعلق


(١) انظر نيل الأوطار (٢/ ١٦٨).
(٢) المحلى (٢/ ١٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>