ولأن العلة في الجواز هو التردد ذهابًا وإيابًا، وهذا المعنى لا يختلف فيه بين السفر الطويل والقصير، فالحاجة كما تمس إلى فعل ذلك في الأسفار الطويلة تمس إلى فعلها في الأسفار القصيرة، بل هي الأغلب.
ولأن الحكمة الشرعية في جواز ذلك: هو تيسير تحصيل النوافل على العبد حتى لا ينقطع عن قضاء حوائجه بسبب المحافظة على أوراده وطاعاته، أو يحمله ذلك إلى قطع النوافل أوتقليلها، وهذا لا فرق فيه بين السفر الطويل والقصير، والله أعلم.
وهذا النص على عمومه إلا أن يرد ما يخصصه، ولم ترد الرخصة إلا في السفر، فوجب الاقتصار فيها على ما ورد؛ لأن الأصل في العبادات الحضر، وقد نقل لنا ترك الاستقبال في سفر تقصر فيه الصلاة، ولم ينقل لنا من قول النبي ﷺ -ولا من فعله أنه فعل ذلك في الحضر، ولا في سفر لا تقصر فيه الصلاة.
والسفر إذا أطلق في النصوص الشرعية فإنما يراد به الحقيقة الشرعية التي تقصر فيها الصلاة، ويباح فيها الفطر؛ ولأن السفر مظنة التخفيف فكان التخفيف في ترك القبلة حكمه حكم الفطر والقصر، فينبغي أن تكون هذه الرخص كلها على طريقة واحدة، ولا يقاس غير السفر على السفر؛ لأنه ليس في معناه.
• ويناقش من وجهين:
الوجه الأول:
أن الأوصاف في النصوص تارة تذكر على سبيل الشرط، فتكون شرطًا في صحة العبادة، كاشتراط أن يكون ذلك في غير المكتوبة، وتارة تذكر، ولا تساق بطريقة الشرط، فلا يحسن أن تجعل شرطًا؛ لأن الأصل عدم الاشتراط، كذكر