للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لقوله تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾.

فلو كان الأمر عن اختياره لما قلب وجهه في السماء يتحرى الأمر الإلهي بالتوجه إلى مكة والتي وصفها الله (قبلة ترضاها).

وقوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٣] فهو من جعل الله: أي أمره وتشريعه.

وهذا القول هو ظاهر النصوص القرآنية، والله أعلم.

وعلى كلا القولين فإن كان عن اجتهاد، فقد أقره الله فصار تشريعًا، والله أعلم.

ومن قال بالتخيير اختلفوا فيه: أكان التخيير للناس بين القبلتين، فيكون التوجه إلى إحداهما فرضًا لا بعينه.

وهذا ما فهمه الجصاص، حيث قال: وأي الوجهين كان فقد كان التوجه فرضًا لمن يفعله؛ لأن التخيير لا يخرجه من أن يكون فرضًا ككفارة اليمين أيهما كَفَّرَ به فهو الفرض، وكفعل الصلاة في أول الوقت وأوسطه وآخره (١).

أم أن التوجه كان مأذونًا فيه لأي جهة شاء المصلي؟

قال قتادة: كان الناس يتوجهون إلى أي جهة شاؤوا لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ [البقرة: ١١٥] ثم أمرهم النبي -باستقبال بيت المقدس (٢).

وأي الأقوال صح، فإن التشريع المجمع عليه، أن قبلة المسلمين هي الكعبة، وقد صلى المسلمون قبل ذلك إلى بيت المقدس، وأن هذا صار منسوخًا في شريعة الله، ولا يجوز لأحد أن يستقبل أي جهة غير الكعبة مع القدرة على ذلك، والله أعلم.

* * *


(١) أحكام القرآن للجصاص (١/ ١٠٥).
(٢) زاد المسير (١/ ١١٩)، نواسخ القرآن (١/ ٢٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>