وهل يصح قياس النظر من أعلى الثوب على النظر من أسفله؟
فالستر لا شك أنه معقول المعنى، وهو خارج الصلاة من أجل النظر، ولا يمنع ذلك من كونه مطلوبًا للصلاة من أجلها، كالإيمان فهو مطلوب للصلاة، وشرط لصحتها، وهو مطلوب خارج الصلاة.
وأما قياس الأعلى على الأسفل ففيه فرق، فالأسفل ليس موضعًا ينظر منه العورة إلا بِتَعَدِّ أو تَكَلُّفٍ، بخلاف الأعلى، ولا يمكن ستر الأسفل إلا أن يلبس السراويل أو يكون الذيل مُلْتَفًّا على الساق، ولا قائل بوجوب ذلك بخلاف الأعلى فإنه يمكنه أن يجعل جيب الثوب ضيقًا، أو يزره إن كان واسعًا.
ويبقى السؤال الأخير: هل الوجوب يشمل نظر المصلي نفسه، وإن لم تكن عورة في حقه بحيث لو صلى أعمى محلول الأزرار، وقدر له أن ينظر لنظر إلى عورته أيؤثر ذلك على صلاته أم لا يؤثر ذلك؟ وقد وجدنا أن الرسول ﷺ يحب لبس القميص مطلق الأزرار، وكذلك كان يفعل ابن عمر ﵁، ونقل مثل ذلك عن بعض التابعين، وهو اختيار مالك وأبي حنيفة، فالراجح أن هناك فرقًا بين أن يصلي الإنسان كاشفًا العورةَ في الخلوة، أو في الظلمة مع قدرته على الستر، وبين أن يقع نظر المصلي على عورته من خلال جيب ثوبه، فنظر المصلي من خلال جيب الثوب لن يكون أشد حالًا ممن رفع إزاره حتى عقده على قفاه، فكان إذا سجد تقلص إزاره، وربما بدا شيء من عورته، ولم يؤمر بالاتزار فقط ليكون أستر لعورته، فالقول بأن صلاته تبطل قول بعيد؛ والبحث إنما هو في استحقاقه للإثم، وهو لا يثبت إلا بدليل جلي وواضح، والله أعلم.