فمن قال: إن الوتر مجموع الركعات يمكن أن نعتبر صلاة ثنتي عشرة ركعة تعويضًا عن وتر الليل.
ومن قال: إن الوتر هو الركعة الأخيرة فقط، يكون ذلك تعويضًا عن صلاة الليل والوتر معًا، وعلى كلا القولين هو تعويض وليس قضاء، لأمور منها:
أحدها: أن صلاة الليل إن لم تكن وترًا فهي نفل مطلق، والنفل المطلق عمله مفتوح بالليل والنهار، فلا يدخله القضاء، وإنما الذي يحتاج إلى قضاء هو النفل المعين بوقت أو سبب؛ لأن له صورة يكون أداء إذا فعل في وقته، وصورة يكون قضاء إذا فعل خارج سببه أو وقته، بخلاف النفل المطلق فلا يتصور دخول القضاء فيه؛ لأنه غير مرتبط بوقت أو سبب.
الثاني: لو كان هذا قضاء لصلاة الليل (النفل المطلق) لكان الوتر أحق بالقضاء منه.
وعلى القول بأن المجموع كله وتر، فيكون التعويض هو للوتر، خاصة أن حديث عائشة كله كان يتحدث عن وتر رسول الله ﷺ، فقولها:(كان إذا غلبه نوم عن قيام الليل) فقولها: (قيام الليل) نكرة مضافة فتعم، فإما أن يكون من اللفظ العام الذي يراد به خاص؛ لأن حديثها كله كان جوابًا عن وتر رسول الله ﷺ.
ولأنه لو كان قضاء لصلاة الليل لاقتصر على صلاة عشر ركعات؛ لأنه كان يوتر بإحدى عشرة ركعة، فإذا جعلت عشرًا منها نفلًا مطلقًا، لم يكن بحاجة إلى أن يقضيها بأكثر منها، ولكن حين كان هذا الفعل تعويضًا عن وتر الليل، وكان الوتر إحدى عشرة ركعة، زاد ركعة ليبلغ اثنتي عشرة ركعة، حتى لا يكون الفعل من باب القضاء، وإنما هو من باب التعويض. وعدم قضاء الوتر لا يمنع من قضاء ركعتي الفجر؛ لأن قضاء العبادات توقيفي، فهذه ركعتا الفجر قضاها النبي ﷺ حين نام ليلة تعريسه مع الصحابة بالوادي، ولو كانت من باب التعويض لم يقدمها بالقضاء على ركعتي الصبح؛ لأنكم تمنعون أن يتنفل نفلًا مطلقًا، وذمته مشغولة بقضاء الفريضة، فلما قدمها على قضاء الفريضة علم أنها من باب القضاء، وليست من باب التعويض.