وأما من قال: تقدم الجمعة مطلقًا:
فهذا القول بناه على أن الجمعة تفوت، وإذا أمكن أن يصلي الجمعة لم يكن له أن ينتقل إلى بدلها، وأدلة وجوب الجمعة آكد من أدلة وجوب الترتيب.
وأما التفريق بين الإمام والمأموم، فيقطعها الإمام، ويتمادى المأموم:
فهذا مبني على اختيار المالكية في شروط صحة الاقتداء بين المأموم والإمام،
فالإمام حين تذكر أن عليه فائتة، وهو في الصلاة، كانت الفائتة أحق بالوقت من الحاضرة، فإن قلب الحاضرة نافلة لم تصح؛ لأنهم يشترطون مساواة الإمام مع مأمومه في ذات الصلاة، كظهر خلف ظهر، فلا يصح عندهم خلف عصر مثلًا، بل لا يصح عندهم ظهر يوم السبت خلف ظهر يوم الأحد، ولا عكسه.
كما يشترطون المساواة في صفتها، فلا يصح أداء خلف قضاء، ولا عكسه.
ويستثنون صحة صلاة نفل خلف فرض، لهذا قالوا: يتمادى المأموم؛ لأن انقلاب الصلاة إلى نفل في حقه لا يفسد عليه صلاته بخلاف الإمام، وستأتينا إن شاء الله تعالى مسائل هذا الباب في أحكام الإمامة.
وأما الاختلاف بين المالكية وأشهب في الاستخلاف فهو راجع إلى اختلافهم في صلاة المأموم، هل هي مرتبطة بصلاة إمامه فيسري البطلان إلى صلاة المأموم، أو ليست مرتبطة بها، فيصح الاستخلاف؟ وهي مسألة خلافية، سيأتي بحثها إن شاء الله تعالى في أحكام الإمامة.
وأما من قال: يقطعها إلا أن يكون قد صلى ركعة بسجدتيها:
فهذا القول قد ذكرت دليله في المسألة السابقة، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وأما قولهم: يجب أن يقطعها فإن تمادى، ولم يقطعها، صحت منه الجمعة،
فهذا القول يمشي على قواعد المالكية القائلين بأن الترتيب واجب، وليس بشرط، وأن ترك الواجب في العبادة لا يبطلها، فرقًا بينه وبين ترك الشرط، وهذا خلاف قول الجمهور القائلين بأن تعمد ترك الواجب في العبادة يبطلها في الجملة (١).
(١) انظر: مواهب الجليل (٢/ ١٠).