للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وحديث جابر في البخاري مرفوعًا: (كان يصلي الصبح بغلس) (١).

وحديث أبي برزة الأسلمي في الصحيحين، وفيه: وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه (٢).

والتعبير من الراوي ب (كان) الدالة على الاستمرار، تدل على أن هذا هو الثابت من فعله ، ويؤيد هذا الفهم استمرار العمل عليه من أبي بكر وعمر ، وأن الإسفار لم يعرف قبل عهد عثمان ، بل قال ابن عبد البر: صح عن رسول الله ، وعن أبي بكر، وعن عمر، وعن عثمان أنهم كانوا يغلسون، ومحال أن يتركوا الأفضل، ويأتوا الدون، وهم النهاية في إتيان الفضائل.

وأما حديث رافع، فظاهره الإسفار بالفجر، ويحتمل معنيين:

أحدهما: أن تؤخر صلاة الصبح إلى الإسفار بحيث يرتفع الغلس، وحمله على هذا المعنى سيعارض ما هو أقوى منه من الأحاديث القولية والفعلية.

المعنى الثاني: أن المراد بالإسفار بالفجر أن يتبين الصبح لكل أحد، فالصلاة في مزدلفة كانت تقع في أول الوقت بحيث قد يلتبس على بعض الناس، وليس جميعهم، حتى قال قائلهم: هل دخل الوقت، أو لم يدخل؟

وأما صلاة الصبح في غير مزدلفة فتؤخر عن ذلك حتى يكون دخول الوقت جليًّا للجميع، لا يلتبس على أحد منهم، وهو لا يعارض التغليس بصلاة الصبح، وعليه يحمل حديث: (أسفروا بالفجر).

قال ابن رشد في البيان والتحصيل: «ومعنى ذلك عندنا الحض على التأخير إلى أن يتضح إسفار الفجر، فلا يرتاب في طلوعه، حتى يتفق قوله وفعله» (٣).

واعترض على هذا التأويل باعتراضات منها:

الاعتراض الأول:

الصلاة قبل تبين الفجر لا تصح، فكيف يحمل الإسفار عليه، مع أن الحديث


(١) صحيح البخاري (٥٦٥).
(٢) صحيح البخاري (٥٤٧)، وصحيح مسلم (٦٤٧).
(٣) البيان والتحصيل (١/ ٣٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>