للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فإما أن نسلك الجمع أو نسلك الترجيح:

فإن كان السبيل هو الترجيح فإنه قد اجتمع في حديث التغليس عاملان حاسمان في الترجيح، وهو الكثرة، والقوة.

فالكثرة حيث جاءت أحاديث التغليس من مسانيد جملة من الصحابة سقت لك في أدلة القول الأول ما وقفت عليه منها.

وأما القوة فإن أكثرها مخرج في الصحيحين، وبعضها متفق عليها بين البخاري ومسلم، وما اتفق عليه الشيخان فهو الأعلى في درجة الصحة بخلاف حديث الإسفار فإنه لم يصح إلا من مسند رافع بن خديج، ولم يخرج في الصحيح، ومداره على ابن إسحاق وابن عجلان، وهما ليسا من شرط الصحيح، وفي لفظه وأسانيده اختلاف كثير. قال ابن رجب: « .... ما رواه ابن إسحاق وابن عجلان عن عاصم، وليس بالمبرزين في الحفظ» (١).

وكل شواهد حديث رافع بن خديج شديدة الضعف، فلا يعتبر بها

وأما الجمع بين حديث رافع وحديث التغليس - وهو المتعين إذا أمكن بلا تكلف- فإن الترجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع؛ ذلك أن الجمع إعمال لكلا الدليلين، بخلاف الترجيح فإنه يؤدي إلى تعطيل أحد الدليلين.

وسبيل الجمع أن نقول:

أما حديث فعله في صلاة الفجر في مزدلفة فيقصد به أنه غلس تغليسًا شديدًا يخالف التغليس المعتاد حتى قال رسول الله : إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما، في هذا المكان، المغرب والعشاء.

وأما حديث عائشة في الصحيحين، قالت: كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس. فظاهر الحديث أن هذا هو غالب عمله .


(١) فتح الباري لابن رجب (٤/ ٤٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>