للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وبنى الشافعية على هذا الخلاف: أن من صلى في بيته أو مشى في كنٍّ إلى المسجد، هل يسن له الإبراد؟ فإن قلنا: إنه رخصة لم يسنَّ؛ إذ لا مشقة عليه في التعجيل، وإن قلنا: إنه سنة أبرد (١).

وقيل: لا يستحب تأخير الظهر من أجل الإبراد مطلقًا، حكاه ابن المنذر عن عمر، وابن مسعود، وجابر، وحكاه ابن بطال عنهم، وعن أبي بكر وعلي أجمعين (٢).

ومدار الخلاف بينهم تعارض حديث: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة).

رواه الشيخان من حديث أبي هريرة، ورواه البخاري من حديث أبي سعيد، وابن عمر، وتقدم تخريجها في المسألة التي قبل هذه.

وحديث خباب: (أتينا رسول الله فشكونا إليه حر الرمضاء، فلم يشكنا) (٣).

فمن قال: إن الإبراد مندوب، أخذ هذا من الأمر بالإبراد، وأقل ما يدل عليه الأمر هو الاستحباب.

وحكي الإجماع على استحبابه، قال الكرماني في شرح البخاري: «فإن قلت ظاهر لأمر الوجوب -يعني أبردوا بالصلاة- فلم قلت بالاستحباب؟ قلت: للإجماع على عدمه» (٤).

وتعقب ابنُ حجرٍ الكرمانيَّ، فقال في الفتح: «وغفل الكرماني، فنقل الإجماع على عدم الوجوب» (٥).

ولم ينفرد الكرماني بحكاية الإجماع.

قال ابن رجب: «والأمر بالإبراد أمر ندب واستحباب، لا أمر حتم وإيجاب، هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء، فإن شذ أحد من أهل الظاهر جريًا على عادتهم، ولم يبُالِ بخرق إجماع المسلمين، كان محجوجًا بالإجماع قبله» (٦).


(١) إحكام الأحكام (١/ ٢٩٣).
(٢) طرح التثريب (٢/ ١٥٢)، فتح الباري لابن حجر (٢/ ١٦).
(٣) صحيح مسلم (١٩٠ - ٦١٩)، ورواه النسائي في المجتبى (٤٩٧)، وفي السنن الكبرى (١٥٠٣) واقتصر في الكبرى على المرفوع.
(٤) الكواكب الدراري (٤/ ١٨٦).
(٥) فتح الباري (٢/ ١٦).
(٦) فتح الباري لابن رجب (٤/ ٢٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>