للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أن معه قدرةً تجعله في قوة المبصر، فهو يقضي حاجاته بنفسه ويصلح ما فسد منها، ويهتدي لطريقه بلا قائد، بل ربما حملته إعاقته على أن يكتسب مهارة في المعرفة يقف عندها كثير من المبصرين، ولعل هذا ما جعل الرسول لا يرخص لابن أم مكتوم في ترك الجماعة مع ما قدم من الأعذار، فإذا امتلك الأعمى قدرة على الاجتهاد صار له حق الاجتهاد واحتمال الخطأ لا يمنع منه، إذا لم يكن هو الغالب على اجتهاده.

والظن درجات، وبعضه أقوى من بعض، ولا يصار إلى الظن الضعيف مع إمكان ظنٍّ أقوى منه، ولا شك أن ظن المبصر في الغالب أقوى من ظن الأعمى، وإن كان ظن الأعمى المجتهد ليس مستوي الطرفين، وهو كافٍ في جواز الصلاة، وقد قدمنا في مسائل ماضية أن غلبة الظن تكفي لدخول الوقت، وقد أجاز الحنفية والحنابلة التحري في القبلة وهو تحكيم القلب بلا أمارة عند الحاجة، فإذا مال القلب إلى ترجيح جهة معينة صلى إليها، فإذا ملك الأعمى القدرة على الاجتهاد اجتهد، فإن اجتمع للأعمى القدرة على الاجتهاد في معرفة الوقت والقبلة اجتهد فيهما، وإن امتلك القدرة في أحدهما دون الأخرى لم يجتهد إلا فيما يقدر على الاجتهاد فيه، ولا فرق عندي بين الوقت والقبلة، والفرق بينهما: أن الوقت قد يدرك بالحساب، كالساعة والتقويم وتقدير مضي الوقت بإنجاز بعض الأعمال من ورد وقراءة، ونحوها بخلاف الاجتهاد في القبلة.

وفرق آخر: أن القبلة يكفي فيها الاجتهاد مرة واحدة على الصحيح، بخلاف الوقت فإنه يتجدد بتجدد أسبابه.

ويتفقان على الصحيح أنهما يكفي فيهما غلبة الظن، ولا يشترط فيهما اليقين، وكون شرط الوقت آكد، فالخطأ في الوقت يوجب الإعادة بخلاف القبلة لا يمنع من اجتهاد الأعمى في دخول الوقت، وإذا تبين أنه أخطأ، فصلى قبل الوقت أعاد، كالمبصر إذا اجتهد فأخطأ.

وإذا تيسر للأعمى الأخذ بالعلم كما لو كان يمكنه أن يعتمد على خبر ثقة يخبره عن علم لم يعتمد على اجتهاده؛ لأنه تقديم للظن على العلم بلا ضرورة، وإلا

<<  <  ج: ص:  >  >>