للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ويخشى على نفسه من السباع، وبينه وبين المسجد نخل وشجر يخشى أن يتعثر فيها.

وهذا ما جعل الجوزجاني يقول فيما نقله الحافظ ابن رجب عنه وأقرَّه: «إن حديث ابن أم مكتوم لم يقل أحد من الفقهاء بظاهره، بمعنى: لم يوجب حضور المسجد على من كان حاله كحال ابن مكتوم. والله أعلم» (١).

ولو كان الاعتراض على الحديث من جهة المتن فحسب لكنت كرهت هذا الاعتراض على الحديث، خشية أن يقدم النظر على النص، ولكن حين يجتمع الإعلال بالحديث سندًا ومتنًا، فإن هذه علة قادحة في صحة الحديث.

أما الإسناد، فقد سبق تخريج الحديث في المجلد الخامس عشر، وأنه لم يروه عن أبي هريرة إلا يزيد بن الأصم، ولا عنه إلا ابن أخيه عبيد الله بن عبد الله بن الأصم، وهذا أصح إسناد روي فيه هذا الحديث، وما عداه مما روي مسندًا فلا يصح، وأكثرها لا يصلح للاعتبار.

وعبيد الله بن عبد الله ذكره البخاري في التاريخ الكبير، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وسكتا عليه، وذكره ابن حبان في الثقات، وفي التقريب، مقبول.

والحديث غريب من حديث أبي هريرة، وأبو هريرة له أصحاب يعتنون بحديثه، فأين كبار أصحابه عن هذا الحديث المهم، والذي يتعلق بأهم العبادات، وهي الصلاة، والسلف لهم عناية بأحاديث الصلاة، فأين سعيد بن المسيب، وأبو صالح السمان، والأعرج، وابن سيرين، وأبو سلمة، وطاوس، وهمام بن منبه، فهؤلاء هم كبار أصحاب أبي هريرة، والمعدودون في الطبقة الأولى من أصحابه، لماذا لم يحفظوا لنا هذا الحديث عن أبي هريرة، ويزيد بن الأصم ليس هو من المكثرين عن أبي هريرة حتى يغتفر له تفرده عن سائر أصحاب أبي هريرة.


(١) انظر: فتح الباري لابن رجب (٣/ ١٨٥).
والفقهاء مختلفون هل العمى عذر في سقوط الجماعة أو ليس بعذر، على قولين، لكن إذا أضيف إلى العمى كونه لا قائد له، وخاف على نفسه تلفًا، أو ضررًا حرم عليه حضور الجماعة، ولا يكفي أن يقال: لا تجب عليه الجماعة، ولا ينبغي الخلاف في ذلك؛ لأن حفظ النفس واجب بأدلة قطعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>