للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أما المتن، فالأمة مجمعة على سقوط الجماعة بالعذر، نص على ذلك جمع من أهل العلم (١).

وإذا كان الأعمى لا قائد له يقوده إلى المسجد كما في حديث أبي هريرة، وبينه وبين المسجد نخل وشجر كما في مرسل عبد الله بن شداد، ويخشى على حياته من السباع والهوام، كما في مرسل ابن أبي ليلى، والمكلف إذا خشي على ماله سقطت عنه الجماعة بالإجماع، فكيف إذا خشي على نفسه؟!

ولا يصح القول بأن الخوف على نفسه من السباع والهوام وأن بينه وبين المسجد شجرًا ونخلًا جاءت عن طريق بعض المراسيل، والمراسيل لا حجة فيها؛ لأنه لا يصح أن تُقَوِّي حديث أبي هريرة بهذه المراسيل، ثم لا تقبل الاعتراض عليك بألفاظها بحجة أنها مراسيل، فإذا أنكرت ألفاظها أسقطت الاعتبار بها، وبقي حديث أبي هريرة لا شاهد له، ويكفي الأعمى عذرًا أنه لا قائد له، وهذا منصوص عليه في حديث أبي هريرة في مسلم، فليس البحث في العمى، أهو عذر بنفسه في إسقاط الجماعة أم لا، فهذه مسألة خلافية بين الفقهاء، ولكن البحث في أعمى لا قائد له، فأصبح غير قادر، لا بنفسه، ولا بغيره إلا بمشقة وأذى قد يتعرض له.

والنبي رخص للمبصر إذا أقيمت الصلاة وقُدِّمَ العَشاءُ أن يبدأ بالعشاء، ولو فاتته الجماعة، ولم يشترط لتقديم العشاء على الصلاة غلبة الجوع، ولا الخوف على الطعام من الفساد لو أخره إلى ما بعد الصلاة، ورخص في المطر للمؤذن أن ينادي: (صلوا في رحالكم) عند جمهور أهل العلم، والمطر ليس مخوفًا على الحياة كالسباع والهوام، بل وأسقط الشارع الجماعة لشهوة أكل كراث، أو بصل، أو ثوم، فإذا اشتهى الرجل أَكْلَ شيء منها، فله أكله، ويدع الجماعة، أيكون أولئك أولى بالعذر من الرجل المريض الذي ترك الجماعة لمصلحة ركن من أركان الصلاة وهو القيام، أو يكون هؤلاء أولى من الأعمى الذي لا قائد له يقوده إلى المسجد،


(١) إكمال المعلم (٢/ ٦٢٥)، شرح النووي على صحيح مسلم (٥/ ١٥٨)، شرح سنن أبي داود لابن رسلان (٣/ ٥٥٢)، مرقاة المفاتيح (٣/ ٨٣٤)، فتح الباري (٢/ ١٣٠)، شرح القسطلاني على البخاري (٢/ ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>