فقيل: لا شيء عليه، فإن عاقه عن السفر عائق كان عليه الكفارة، وحسبه أن ينجو إن سافر، وهذا قول ابن حبيب وأصبغ وابن الماجشون.
وقيل: ليس عليه إلا قضاء يوم؛ لأنه متأول في فطره، رواه عيسى عن ابن القاسم.
وقال أشهب:«ليس عليه شي من الكفارة سافر أو لم يسافر».
وقال سحنون:«عليه الكفارة سافر، أو لم يسافر»(١).
والذي يظهر لي أن القرطبي حين نقل عن بعض أصحابه أنه قال: لا شيء عليه، لا يقصد أنه يجوز له الفطر كما فهم ذلك بعض أهل العلم؛ لأن حكايته بأنه لا يجوز الفطر إجماعًا يجعل النفي متوجهًا للكفارة؛ لأن المالكية يرون أن من أفطر متعمدًا فعليه الكفارة زيادة على وجوب القضاء.
وهل يفهم من الآية في قوله:(على سفر) المتأهب؟ لا يظهر لي ذلك، ولذلك لم يفهم جل المفسرين هذا المعنى من الآية، إلا ما أشار إليه القرطبي، وقد نقل الإجماع على أنه لا يجوز له الفطر قبل أن يخرج، ولماذا عبر بقوله:(على سفر)؟
يحتمل أن هذا من باب نيابة حروف الجر بعضها عن بعض، وأن حرف (على) قد يأتي بمعنى (في) إذا صح المعنى، فيكون المعنى فمن كان منكم مريضًا أو في سفر. وهذا له أمثلة في الكتاب العزيز، قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [الأنعام: ١١]، أي سيروا على الأرض، وقال تعالى: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١]، أي على جذوع النخل، وقال تعالى: ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا﴾ [الأنبياء: ٧٧]: أي على القوم، وقال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ﴾ [هود: ٦]، والدابة تكون على الأرض؛ لأنها مفسّرة بما يدبّ على الأرض، وقال تعالى: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [التوبة: ٢]، أي على الأرض، وهكذا، قال ابن مالك في ألفيته: عَلَى لِلِاسْتِعْلَا، وَمَعْنَى فِي، وَعَنْ .......