للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ورد هذا:

إذا كان الصف الأول يتعذر معه التورك فالصف الثاني مثله، فكون هذا أول، وهذا ثانٍ، هذا بالنسبة للإمام، ولا فرق بينهما من جهة التمكن من التورك.

والسبب في تفضيل البعيد عن الإمام ممن لا يسمع قراءته من أصحاب الصف الأول على القريب من الإمام في الصف الثاني ممن يسمع قراءته، ويرى أفعاله: وقوع الخلاف بين العلماء في حكم إتمام الصف الأول، فهناك من العلماء من يرى كراهة الوقوف في صفٍ قبل إكمال الذي يليه، حتى قال الشافعية: من وقف قبل إتمام ما قبله فاته فضل الجماعة، وهناك من العلماء من يرى وجوب إتمام الصف لقوله في حديث أنس في مسلم: (أتموا الصفوف)، فاختلاف الحكم يمنع من القول بالتزاحم.

قال أبو عوانة في مستخرجه: بيان إيجاب قيامة الصفوف … وإيجاب إتمام الصف الأول، ثم الذي يليه (١).

فيقدم ما اختلف في وجوبه على ما اتفق على سنيته.

وأما تفضيل الصلاة فذًّا في الحرم على الصلاة جماعة في غيره، فهي مسألة خلافية ترجع إلى الخلاف في حكم الجماعة، فمن يرى وجوب الجماعة سوف يقول بفضيلة الجماعة على الصلاة فذًّا بالحرم؛ لأن المقارنة لا تعقد بين واجب ومستحب، والجماعة ليست جزءًا من ذات العبادة، وإنما هي واجبة لها، وليست واجبة فيها. فخرجت من الاعتراض.

ولو سلمنا الاعتراض في كل الصور الثلاثة المتقدمة، فالفضائل المتعلقة بذات العبادة تتفاوت، وكذلك الفضائل المتعلقة بالمكان، فالتورك لم ينص على مقدار ثوابه، ولم يوجه الشارع أمرًا خاصًا يطلب من المكلف فعله، والثابت فيه مجرد الفعل الدال على المشروعية، على خلاف بين الفقهاء في مشروعيته، بينما الصف الأول مجمع على فضيلته، وقد ورد الأمر من الشارع بالمبادرة إليه، والتزاحم على تحصيله، ولو بطريق القرعة.


(١) مستخرج أبي عوانة (١/ ٣٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>