للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الشرعية لا يعني تعدد الصواب، فلا نامت أعين المتشنجين من الخلاف الفقهي.

أكثر المسائل الفقهية خلافية فإذا منعنا من الاقتداء بسبب اختلاف الاجتهاد، أدى ذلك إلى انقسام المجتمع، وتعدد المحاريب، وتعددها بدعة محدثة لم يعرفها المسلمون في القرون المفضلة.

المصيب وإن كان واحدًا، إلا أنه غير مقطوع به، والمخطئ كالمصيب في حط المأثم عنه، وحصول الثواب على اجتهاده، وصحة الصلاة لنفسه، فجاز الائتمام به، كما لو لم يترك شيئًا.

[م-١٠٣٧] اختلف العلماء في حكم الاقتداء بإمام مخالف في الفروع.

وضابطه كما ذكر النووي: أن تكون صلاة الإمام صحيحة في اعتقاده دون اعتقاد المأموم، أو عكسه؛ لاختلافهما في الفروع.

مثال المسألة الأولى: أن يقتدي حنبلي بإمام شافعي أكل لحم جزور، فالمأموم يعتقد بطلان صلاة إمامه.

ومثال المسألة الثانية: أن يقتدي حنفي بشافعي مس ذكره، فالمأموم يعتقد صحة صلاة إمامه، والإمام يعتقد بطلان صلاته.

ومن هنا اختلف الفقهاء، هل العبرة باعتقاد الإمام، أم باعتقاد المأموم، قولان:

الأول: أن العبرة باعتقاد المأموم، وهذا مذهب أكثر الحنفية والأصح عند الشافعية، فلو اقتدى حنفي بشافعي مس فرجه، أو ترك قراءة الفاتحة فصلاة المأموم صحيحة؛ لأن المعتبر ما يعتقده المأموم في نفسه، والحنفي لا يعد مس الفرج حدثًا ولا قراءة الفاتحة ركنًا، خلافًا للشافعي.

ولو اقتدى شافعي بحنفي على وجه لا يعتقده الشافعي، كما لو ترك الحنفي الطمأنية لم يصح الاقتداء به، فالمدار على ترك شرط أو ركن في اعتقاد المقتدي (١).


(١) ولم أذكر الواجب إما لأن الشافعية لا يرون من أفعال الصلاة ما هو واجب، ولذلك لم يذكر
الشافعية إلا ترك الشرط والركن، انظر: تحرير الفتاوى (١/ ٣٣٥).
وإما لأن الحنفية ذكروا الواجب، ولكنهم يفرقون بين ترك الإمام ما هو فرض، وبين تركه ما هو واجب، فالأول لا يصح الاقتداء بالإمام إذا جزم المأموم أن الإمام لا يقوم به، والثاني يكره الاقتداء به فقط؛ لأن ترك الواجب عندهم لا يبطل الصلاة، ويرون أن الصلاة خلفه جماعة أفضل من الانفراد. انظر حاشية ابن عابدين (١/ ٥٦٣) والله أعلم.
ولم تتنزل المسألة على مذهب المالكية والحنابلة؛ لأن يذهبون إلى صحة الاقتداء بالمخالف مطلقًا، حتى ولو ترك ما يعتقده المأموم مفسدًا لصلاته؛ لأنه متأول، والله أعلم.
انظر: البحر الرائق (٢/ ٥١)، حاشية ابن عابدين (١/ ٥٦٣)، المجموع (٤/ ٢٨٩)، منهاج الطالبين (ص: ٣٩)، المنثور في القواعد الفقهية (٢/ ٣٧٠)، تحرير الفتاوى (١/ ٣٣٥)، نهاية المحتاج (٢/ ١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>