للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

من الحكم والإفتاء في الحر المزعج والبرد المؤلم (١).

جاء في كشاف القناع: «ويحرم أن يفتي في حال لا يجوز أن يحكم فيها كغضب ونحوه، كحر مفرط، وبرد مفرط» (٢).

(ح-٢٩٧٨) لما رواه البخاري ومسلم من طريق عبد الملك بن عمير، سمعت عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: كتب أبو بكرة إلى ابنه، وكان بسجستان، بأن لا تقضي بين اثنين، وأنت غضبان، فإني سمعت النبي يقول: لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان (٣).

فنص على الغضب، ونبه على ما كان في معناه من الحر والبرد الشديدين، والجوع والعطش، ومدافعة الأخبثين، والفرح الشديد.

وإذا كان الحر الشديد والبرد المؤلم يشوش على العقل، ويشغل القلب، حتى يمنع القاضي من الحكم، والمفتي من الفتيا، فما الفرق بينه وبين سقوط الجماعة بحضرة الطعام، ولم يشترط الحديث أن يفسد الطعام لو أخره إلى ما بعد الصلاة، ولا أن يكون جائعًا بل يكفي مطلق الحاجة إلى الطعام ليدع الجماعة ويقبل على طعامه، وله أن يأكل منه حتى يفرغ من حاجته، ولا يشترط أن يأكل ما يسد جوعه.

فكان مقتضى القياس سقوط الجماعة بالحر الشديد خاصة إذا كان إمام المسجد لا يأخذ بسنة الإبراد، أو كانت موجة الحر شديدة جدًّا بحيث لا يؤثر الإبراد في تخفيف الحر، لهذا كان الحر الشديد عذرًا بالليل والنهار إذا كان شديدًا.

• دليل من قال: لا تسقط الجماعة بالحر الشديد:

الدليل الأول:

بلاد الحجاز بلاد حارة صيفًا، ولم ينقل أن النبي ترك الجماعة بسبب الحر، ولا يوجد نصٌّ محفوظ من السنة المرفوعة أن الجماعة تركت في الحضر بسبب الحر، والأصل عدم المشروعية، وإذا لم تسقط الجماعة في ذلك العصر مع عدم وسائل التبريد من مكيفات ونحوها، فمن باب أولى وقد وجدت هذه الوسائل التبريدية، والله أعلم.


(١) المسودة (ص: ٥٤٥)، المغني (١٠/ ٤١)، مطالب أولي النهى (٦/ ٤٤٠).
(٢) كشاف القناع، ط العدل (١٥/ ٤١).
(٣) صحيح البخاري (٧١٥٨)، وصحيح مسلم (١٦ - ١٧١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>