التوقف في قبوله. والحديث الثاني: حديثنا هذا، وهو وإن كان متابعًا عليه فقد تفرد بحروف لم يروها غيره، كقوله: إن عمر رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يومًا، مع أن جميع من ذكر رؤيا عمر ﵁ قد ذكر أنه بمجرد سماع عمر للأذان من بلال خرج، وهو يجر رداءه مُقْسِمًا بأنه رأى مثل الذي يقول. ومخالفة أخرى أن عمر ﵁ أخبر الرسول ﷺ قبل أن يأمر النبي ﷺ بلالًا بالأذان، وهذا مخالف أيضًا لكل من روى رؤيا عبد الله بن زيد فقد اتفقت بأن عمر أخبر بالرؤيا بعد سماع الأذان من بلال. والحديث الثالث: أن النبي ﷺ قال: لا يشهدهما منافق يعني صلاة الصبح والعشاء والحديث لابد من تأويله لأن الحديث الصحيح يقول: أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولهذا تأوله الراوي عنه أبو بشر: فقال: يعني لا يواظب عليهما منافق، مع أن ظاهر الحديث أن من صلى العشاء والفجر أعطي براءة من النفاق؛ لأنه لا يشهدهما منافق، فإن كان هذا الحديث هو رواية بالمعنى لحديث: أثقل الصلاة على المنافقين فهي تدل على عدم الضبط، وإن كان حديثًا مستقلًّا فقد تفرد به. وهذه الأحاديث كلها إنما يرويها عن عمومة له من الأنصار، ولم يَرْوِ عنه أحد إلا أبو بشر، وهذا يدل على أن الراوي ليس له اشتغال بالرواية، وأحاديثه الثلاثة تشهد على ذلك، فهو إما أن يتفرد، أو يخالف غيره، أو يتضمن زيادة لم يذكرها غيره، وهي داخلة في المخالفة، والاعتبار بحديثه مقبول مما يتابع عليه، وأما تفرده بأصل لا يتابع عليه فهذا غير مقبول، وقد كان أئمة الحديث لا يقبلون تفرد الثقة إذا كان أصلًا بالباب إلا أن يكون إمامًا كالزهري ومالك، فما بالك بتفرد رَاوٍ قليل الحديث، ولم يعرف له عناية به، فإذا أخذنا كل هذا في الاعتبار مع تجهيل ابن عبد البر وابن القطان الفاسي لحاله، وكلام الشافعي لم يجعل حديثه من قبيل الصحيح. والخلاصة في الراوي فيما أرى أن يعتبر بحديثه، ولا يقبل ما تفرد به، وهذا القصة لم يتفرد بها في الجملة، فهي صالحة للاعتبار، وما تفرد به من ألفاظ لم يقبل منه كقوله: إن عمر ﵁ كتم الرؤيا، وأن عمر أخبر النبي ﷺ قبل أن يأمر بلالًا بالأذان، والله أعلم. والخلاصة في رؤيا عبد الله بن زيد الأذان في المنام: أن مرسل عبد الرحمن بن أبي ليلى مع مرسل سعيد بن المسيب، مع حديث أبي عمير، عن عمومة له من الأنصار، مع رواية محمد بن عبد الله بن زيد، عن أبيه عبد الله بن زيد، إذا اجتمعت هذه الطرق قوى بعضها بعضًا من حيث الجملة. =