للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والقسم الثاني: ألا يتقدمه ذكر، فهذا لا يصح أن يوصف بالنسيان، وإنما يوصف بالسهو والذهول (١).

وقيد السهو (في الصلاة) ليخرج السهو عنها، فالسهو عنها قد يكون نسيانًا، وقد يكون تركًا.

قال ابن الأثير نقلًا: «السهو في الشيء تركه عن غير علم، والسهو عنه تركه مع العلم، ومنه قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: ٥] (٢).

وقال في المجموع المغيث: السهو عن الشيء: تركه (٣).

وقال الزمخشري: «فإن قلت: أي فرق بين قوله ﴿عَنْ صَلَاتِهِمْ﴾ وبين قولك فِي صَلاتِهِمْ؟ قلت: معنى عَنْ: أنهم ساهون عنها سهوَّ ترك لها، وقلَّة التفات إليها، وذلك فعل المنافقين أو الفسقة …

ومعنى (في صلاتهم): أنّ السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم، وكان رسول الله يقع له السهو في صلاته فضلًا عن غيره» (٤).

فالسلامة من السهو في الصلاة محال، فلا ينفك عنه البشر، ولهذا علل النبي وقوع السهو منه بكونه بشرًا ينسى كما ينسى البشر.

وهو مصداق لقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الكهف: ١١٠].

وقوله: ﴿مِثْلُكُمْ﴾ تأكيد لبشريته .

وقوله: ﴿يُوحَى إِلَيَّ﴾ بيان الفرق بينه وبين سائر البشر، وهو الوحي، فالرسل عباد الله فلا يعبدون، ولا ينبغي لهم، ورسل من الله فلا يكذبون، لأن الكذب منهم يبطل دعوى إرسالهم من قبل الله.

قال تعالى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ١٩].


(١) انظر: الحدود في الأصول (ص: ٩٩)، الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه (١/ ٢٩)، المسالك في شرح موطأ مالك (١/ ٤١٨).
(٢) النهاية في غريب الحديث (٢/ ٤٣٠).
(٣) المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (٢/ ١٥٨).
(٤) تفسير الزمخشري (٤/ ٨٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>