للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ويستدل لهذا القول: بأن النبي حين سئل، ما بال الكلب الأسود؟ علل ذلك بكون الكلب الأسود شيطانًا.

وليس المراد بأن الشيطان يتمثل بالكلب، وإن قال به ابن هبيرة في الإفصاح (١)، وإنما المقصود بالشيطان: ما جاء في تعريفه في الصحاح: كل عاتٍ من الإنس والجن والدواب فهو شيطان (٢).

كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ [الأنعام: ١١٢].

وإنما كانوا أعداء للأنبياء؛ بظلمهم وأذيتهم.

فالكلب الأسود هو من أعتى الكلاب وأشدها أذية فهو يعدو على الناس.

ويفهم من التعليل أن شيطنته وأذاه هي السبب في كونه يقطع الصلاة، وهذه قرينة تفيد أن المقصود بالقطع ما يخشى من أذيته لشيطنته وتمرده وعتوه، فوجود الكلب الأسود في حريم المصلَّى بين المصلِّي وبين سترته مظنة حصول الأذى منه، الذي قد يتسبب بقطع الصلاة، فإن حصل ذلك انقطعت الصلاة وإلا بقيت الصلاة محفوظة عن البطلان، وهذا معنى قول القرطبي: إنها قد تؤول إلى القطع.

فإن اعترض بأن الحديث قال: (يقطع الصلاة) جزمًا، ولو كان هذا احتمالًا لعبر بلفظ لا يكون جازمًا بالقطع.

فالجواب أن هذا الأمر مما تحتمله اللغة.

(ح-٢٣٨٤) فقد روى الشيخان من طريق الأعمش، عن أبي صالح،

سمعت أبا هريرة قال: قال رسول الله : لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده (٣).

وهذه لا تبلغ نصابًا، ولكن سرقة هذه المحقرات قد تؤول به إلى سرقة غيرها مما يوجب القطع.

فالشيطنة صفة متعدية، فإن تعدت إلى المصلِّي بأن حصل منه عدوان قطع


(١) الإفصاح عن معاني الصحاح (٢/ ١٩١).
(٢) الصحاح (٥/ ٢١٤٤).
(٣) صحيح البخاري (٦٧٩٩)، وصحيح مسلم (١٦٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>