للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقد تأول الجمهور القطع بثلاثة معان:

أحدها: تفسير قطع الصلاة بقطع الذكر، فالصلاة شرعت لإقامة ذكر الله، فإذا قطع المصلي ذكر الله بسبب مرور المرأة أو الحمار أوالكلب صدق عليه أنه قطع صلاته، وإن كان قَطْعُ مثل ذلك لا يؤدي إلى إبطالها.

قال الخطابي في معالم السنن: «يحتمل أن يتأول حديث أبي ذر على أن هذه الأشخاص إذا مرت بين يدي المصلي قطعته عن الذكر، وشغلت قلبه عن مراعاة الصلاة، فذلك معنى قطعها للصلاة دون إبطالها من أصلها» (١).

قال أبو بكر بن العربي: «إن معنى قوله: (يقطع الصلاة) يشغل عنها ويحول دون الإقبال عليها. ولو أراد غير ذلك لقال: يفسد الصلاة أو يبطلها» (٢).

المعنى الثاني: حمله ابن رجب الحنبلي على قطع الرحمة والقرب والأنس، وهذا ربما يرجع إلى المعنى الأول؛ من باب تفسير الشيء بلازمه؛ لأن قطع الذكر في الصلاة يلزم منه قطع الرحمة، فذكر العبد لربه في الصلاة سبب لنيل رحمة الله والقرب منه والأنس به.

قال ابن رجب: «لما كان المصلي مشتغلًا بمناجاة الله، وهو في غاية القرب منه والخلوة به، أمر المصلي بالاحتراز من دخول الشيطان في هذه الخلوة الخاصة، والقرب الخاص؛ ولذلك شرعت السترة في الصلاة خشية من دخول الشيطان، وكونه وليجة في هذه الحال، فيقطع بذلك مواد الأنس والقرب؛ فإن الشيطان رجيم مطرود مبعد عن الحضرة الإلهية، فإذا تخلل في محل القرب الخاص للمصلي: أوجب تخلله بعدًا وقطعًا لمواد الرحمة والقرب والأنس.

فلهذا المعنى -والله أعلم- خصت هذه الثلاث بالاحتراز منها، وهي:

المرأة؛ فإن النساء حبائل الشيطان، وإذا خرجت المرأة من بيتها استشرفها الشيطان، وإنما توصل الشيطان إلى إبعاد آدم من دار القرب بالنساء.

والكلب الأسود: شيطان، كما نص عليه الحديث.


(١) معالم السنن (١/ ١٩١).
(٢) القبس شرح الموطأ (ص: ٣٤٦)، المسالك في شرح موطأ مالك (٣/ ١٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>