للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

• سبب الخلاف:

هذه المسألة فرد من مسائل كثيرة تنازع الفقهاء فيها، ويرجع الخلاف فيها لاختلافهم في اعتبار الجهل عذرًا تسقط به الأحكام:

فمنهم من يعتبر الجهل عذرًا مطلقًا، وهو رواية عن أحمد، وبه يأخذ ابن تيمية:

وقد نقل ابن مفلح في الفروع عن شيخه ابن تيمية: أن الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم، وأن كل من ترك واجبًا قبل بلوغ الشرع، لم يكلف الإعادة، ومثل له بمن ترك التيمم لعدم الماء؛ لظنه عدم الصحة به، أو أكل حتى يتبين له العقال الأبيض من العقال الأسود؛ لظنه ذلك، أو لم تصلي مستحاضة ونحوه، قال: «والأصح لا قضاء، ولا إثم؛ للعفو عن الخطأ والنسيان، ومعناه: ولم يقصر، وإلا أثم، وكذا لو عامل بربًا، أو أنكح فاسدًا، ثم تبين له التحريم ونحوه» (١).

ومنهم من لا يرى الجهل والنسيان عذرًا مطلقًا في شروط الصلاة.

ومنهم من يقسم الشروط إلى قسمين:

ما كان من قسم المنهيات فهذه تسقط بالجهل والنسيان، كمن صلى وثوبه نجس ناسيًا أو جاهلًا فصلاته صحيحة.

وما كان من قسم المأمورات فإنها تسقط بالجهل، ولا تسقط بالنسيان، فالمستحاضة التي تركت الصلاة جهلًا منها لم تؤمر بالإعادة، ولو ترك المكلف الصلاة نسيانًا لم تسقط عنه الصلاة، فثبت الفرق بين الجهل والنسيان.

ومنهم من يفرق بين من يمكنه التعلم، فيفرط في طلبه فيكلف الإعادة؛ لأن مثله ليس محلًّا للتخفيف فلا يعذر، وبين من لا يمكنه العلم، كحديث عهد بالإسلام، وكذا من نشأ في دار حرب، أو في بادية بعيدة عن أهل العلم، فمثله يعذر.

ومنهم من يرى الجهل ليس بعذر مطلقًا بخلاف النسيان؛ فالنسيان لا ينفك عنه البشر حتى الأنبياء، وأما الجهل فهو متسبب به؛ يلام عليه، وقد كان عليه أن


(١) انظر: الفروع (١/ ٤٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>