للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فالجواب: أن دلالة الوجوب مركبة من أمرين: مواظبة النبي على هذا الفعل.

والأمر الثاني: قوله في حديث مالك بن الحويرث: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، فكان هذا الفعل بيانًا لهذا المجمل، فالأمر (صلوا) الأصل فيه الوجوب، والفعل إذا وقع بيانًا لمجمل أخذ حكم هذا المجمل.

• ويجاب:

بأنه سبق لي مناقشة صلاحية حديث مالك بن الحويرث على الاستدلال به على أن الأصل في جميع أفعال الصلاة الوجوب، وبينت أن حديث مالك بن الحويرث إذا أخذ مفردًا عن ذكر سببه وسياقه أشعر بأنه خطاب للأمة بأن يصلوا كما رأوه يصلي، فيقوى الاستدلال بهذه الطريقة على أن الأصل في جميع أفعال الصلاة الوجوب إلا بدليل، فتكون أفعاله في الصلاة بيانًا لهذا الأمر المجمل: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، ومثله حديث: (لتأخذوا عني مناسككم)، وتكون الرؤية في الحديث يقصد بها العلم، أي صلوا كما عَلِمْتُمُوِني أصلي.

وإذا أخذنا حديث مالك بن الحويرث في سياق قدومه على النبي وجلوسه عنده ما يقارب العشرين يومًا، وهو يصلي معه، فأمرهم النبي حين مصرفهم منه أن يصلوا كما رأوه يصلي، كانت الرؤية في حق مالك ومن كان معه رؤية بصرية.

(ح-١٦١٩) فقد روى البخاري ومسلم من طريق أيوب، عن أبي قلابة، قال:

حدثنا مالك، قال: أتينا إلى النبي ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يومًا وليلة، وكان رسول الله رحيمًا رفيقًا، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا -أو قد اشتقنا- سَأَلَنَا عمن تركنا بعدنا، فأخبرناه، قال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم. زاد البخاري: وصلوا كما رأيتموني أصلي … الحديث (١).

ومن المعلوم أن النبي كان يصلي بأصحابه طيلة العشرين يومًا صلاة تامة بفروضها وسننها، ولم يكن النبي يقتصر في صلاته على الفروض دون السنن، ولا شك أن المخاطب بقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) هو مالك بن الحويرث: لأن الخطاب موجه له ولرفقته في أصل التشريع، وتدخل الأمة معه تبعًا باعتبار عموم


(١) صحيح البخاري (٦٣١)، وصحيح مسلم (٢٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>