الصحيحين، وحديث خباب في البخاري، وحديث سهل في الصحيحين، هذه القضايا التي حدثت للنبي ﷺ سواء ما كان منها في صلاة الكسوف، أو في صلاته على المنبر، أو في نقل خباب أنه عَلِمَ قراءة النبي ﷺ في الصلاة السرية من اضطراب لحية النبي ﷺ في صلاته، هذه الأدلة نتفق فيها أن الراوي ذكر هذه الأحاديث ولم يكن يقصد منها أن يبين موضع نظر المصلي في صلاته، فهذه الأحاديث دلالتها على مسألتنا ليست مقصودة بالحكم، فإذا حاول الفقيه أن يستنبط منها حكم هذه المسألة، وهي لم تُسَقْ لبيان مثل هذا الحكم، فإنه محل اجتهاد، فحتى يُسَلَّم هذا الاستدلال يشترط في هذه الأفعال الواردة في هذه الأحاديث أن يكون لها عموم في جميع الصلوات، وليست قضايا عينية فعلت في أحوال غير عادية، وقد قال الفقهاء: قضايا الأعيان لا عموم لها، كما أنها أفعال، والفعل عند أهل الأصول لا عموم له، بخلاف القول. لهذا دعني آخذ هذه الأحاديث حديثًا حديثًا:
فصلاة النبي ﷺ على المنبر لم يكن ذلك من عادته ﷺ، فإذا علا المنبر ليصلي بأصحابه فمن المؤكد أن هذا يستدعي النظر إلى الإمام؛ لكون النبي ﷺ فعل ذلك على خلاف العادة، وبغرض التعليم كما جاء مصرحًا به في الحديث، والتعليم بالفعل يستدعي النظر إلى هذا الفعل، فإذا عُقِل الفعل لم يكن ثمَّت حاجة إلى النظر إلى الإمام في الصلاة، وبالتالي لا يمكن أن يؤخذ من هذا الفعل حكم عام في جميع أحوال الصلوات، وأن المشروع أن ينظر المأموم إلى إمامه في الصلاة كما أنه لا يمكن أن يؤخذ من هذا الحديث استحباب صلاة الإمام على المنبر في جميع الأحوال.
وكذلك يقال عن فعله ﷺ في صلاة الكسوف من التقدم والتأخر، فإن النبي ﷺ كان يتأخر فيتأخر معه أصحابه، ثم يتقدم فيتقدم معه أصحابه كما جاء ذلك مبينًا في حديث جابر عند مسلم من طريق عبد الملك، عن عطاء، عن جابر في صفة صلاة الكسوف، وفيه: .... ثم تأخر، وتأخرت الصفوف خلفه حتى انتهينا وفي رواية: حتى انتهى إلى النساء، ثم تقدم، وتقدم الناس معه حتى قام في مقامه .... الحديث (١).