للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فكون الرسول شق الصفوف حتى خلص إلى أبي بكر، وقد كان من هديه الجلوس حيث ينتهي به المجلس، كما كان ينهى أن يقيم الرجل أخاه من مكانه ليجلس فيه، فإذا كان هذا هديه في المجلس المباح، فالعبادة أولى.

ولو جاء عالم متأخرًا فشق الصفوف إلى الصف الأول وهو يريد الائتمام لأُنْكِرَ ذلك عليه.

فهذا إشارة إلى أن النبي إنما فعل ذلك لإرادة الإمامة.

فإن قيل: إذا كان كذلك، فلماذا يأمر المصطفى أبا بكر بالبقاء إمامًا؟

فالجواب: أراد بذلك إكرام أبي بكر والتنويه بقدره، ولو أراد إلزامه بالأمر ما وسع أبا بكر إلا طاعتُهُ، وإنما جاز مخالفة أبي بكر للنبي لأنه علم أنه إنما أراد بذلك إكرامه، ولو أراد النبي إلزام أبي بكر لما قبل برجوعه إلى الائتمام.

ولقد كان الرسول خبيرًا بأصحابه، ويعرف أن أبا بكر لن يقبل بالبقاء إمامًا لهذا تقدم مع أمره لأبي بكر بالبقاء إكرامًا له.

وهذا يؤيد احتمال أن يكون الرسول ابتدأ الصلاة إمامًا.

وأما ما يؤيد الثاني وهو أن الرسول دخل في الصلاة مأمومًا، أنه عندما تراجع أبو بكر القهقرى أشار إليه إشارة بيده أن امكُثْ، ولو لم يكن في صلاة لاستخدم العبارة بدلًا من الإشارة، وهذا ما فهمه الباجي في شرح الموطأ (١).

ومع احتمال الأمرين لا يصح الجزم بأنه دليل لمسألتنا، فيطلب دليل آخر على المسألة، والله أعلم.

الوجه الثاني:

على فرض أن يكون الرسول قد ابتدأ الصلاة إمامًا، فيرى بعض أهل العلم


(١) قال الباجي في المنتقى (١/ ٢٨٩): «أشار إليه رسول الله أن امكث مكانك، وفي ذلك دليل أن الإشارة في الصلاة للعذر والحاجة إلى ذلك لا تبطلها، ولا تنقصها؛ لأن النبي فعل ذلك».
ونقل ذلك أبو بكر بن العربي وأقره في المسالك في شرح موطأ مالك (٣/ ١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>