للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال القرافي: «أجرى مالك الجاهل في الصلاة مجرى العامد، لا مجرى الناسي؛ لاشتراكهما في العصيان، هذا بعمده، وهذا بترك تعلمه» (١).

وقال ابن رشد والقرافي: «الوضوء والصلاة يستوي فيها العامد، والجاهل» (٢).

وقال الرملي من الشافعية: «الشروط لا تسقط بالجهل، ولا النسيان» (٣).

وقال الخَلْوَتي في حاشيته على منتهى الإرادات: «الشروط لا تسقط بالسهو، ولا الجهل» (٤).

وقال في مطالب أولي النهى: «ولا تسقط الشروط عمدًا، أو سهوًا أو جهلًا».

وقيل: الجهل عذر في سقوط القضاء، وأما الإثم فإن كان مفرطًا في ترك العلم أثم، وإن لم يفرط فلا إثم، ذكره القاضي أبو يعلى قولًا في مذهب الحنابلة، ورجحه ابن تيمية (٥).

قال ابن مفلح في الفروع نقلًا عن شيخه ابن تيمية: «إن الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم، فكل من ترك واجبًا قبل بلوغ الشرع، لم يكلف الإعادة، ومَثَّل له ابن تيمية بمن ترك التيمم لعدم الماء؛ لظنه عدم الصحة به، أو أكل حتى يتبين له العقال الأبيض من العقال الأسود؛ لظنه ذلك، أو لم تُصَلِّ مستحاضة ونحوها؛ لظنها بأنه حيض، قال: والأصح لا قضاء، ولا إثم؛ للعفو عن الخطأ والنسيان، قال ابن مفلح: ومعناه: ولم يقصر، وإلا أثم» (٦).


(١) الفروق للقرافي (٢/ ٢٠٩).
(٢) المقدمات الممهدات (٣/ ٧٣)، الفروق (٧/ ٣٨١).
(٣) نهاية المحتاج (٢/ ١٣).
(٤) حاشية الخلوتي على منتهى الإرادات (١/ ٣١١).
(٥) القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام (ص: ١٢٢)، المبدع (١/ ٢٦٤)، الإنصاف (١/ ٣٨٩)، كشاف القناع (١/ ٢٢٢).
(٦) انظر الفروع (١/ ٤٠٥).
وظاهر عبارة ابن مفلح أنه لا قضاء على الجاهل مطلقًا، فرط أو لم يفرط، وأما الإثم، فإن قصر في طلب العلم أثم، وإلا فلا.
واختار شيخنا ابن عثيمين أنه إن كان مفرطًا أثم، ووجب القضاء، وإن لم يفرط فلا إثم ولا قضاء.
يقول شيخنا في شرحه لبلوغ المرام: مَنْ ترك المأمور جاهلًا فلا يخلو من حالين:
إما أن يكون مفرطًا، أو غير مفرط.
فإن كان غير مفرط: فلا شيء عليه، لا قضاء، ولا إثم ولا غيرهما، هذا هو الذي تقتضيه الأدلة بعد التأمل؛ لأنه معذور، ومن صور غير التفريط أن يكون الإنسان ناشئًا في بادية بعيدة لا يدري عن أحكام الله، فهذا لا شيء عليه، ولا يلزمه القضاء، سواء أترك العبادة أصلًا أم أخلَّ فيها بشرط أو بركن أو بواجب، إلا إذا كان المأمور به قد بقي وقته، فهو مطالب به واستشهد بحديث المسيء صلاته.
ومثال الذي لم يفرط قصة المرأة المستحاضة، التي كنت تستحاض ولا تصلي ظنًّا منها أن هذا الدم دم حيض ولم يأمرها النبي بقضاء الصلاة، لأنها بانية على أصل وهو أن الدم حيض فهي غير مفرطة فلم يلزمها النبي بقضاء ما تركت من الصلاة.
وإن كان جاهلًا مفرطًا: فإننا نلزمه بالقضاء، لأن الواجب عليه أن يسأل.
أما من ترك المأمور نسيانًا فعليه القضاء إذا ذكر، لقوله : من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها. انتهى مختصرًا من كلام شيخنا عليه رحمة الله.
وأرى أن التكليف بالقضاء لا يصح أن يكون عقوبة على التفريط في طلب العلم، فالتكليف تبع للعلم، وليس لإمكان العلم، ويأثم على التفريط.

<<  <  ج: ص:  >  >>