للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فعلى العالم الاجتهاد» (١).

وإذا كان المالكية يمنعون من تقليد محاريب قرى المسلمين إلا محرابًا لمصرٍ: أي بلد كبيرة، فمن باب أولى أنه لا يقلد محاريب الكفار (٢).

واختار ابن قدامة، وتبعه الشارح: أنه لو علم قبلة الكفار، فله أن يستدل بها على قبلة المسلمين، مثل أن يرى قبلة النصارى في كنائسهم، وقد علم أنهم يصلون إلى الشرق، فإنه يستدل بها على القبلة؛ لأن خبرهم عن قبلتهم بمنزلة التواتر، وهم لا يتهمون فيه، وجزم به ابن تميم، ونقله ابن تيمية في شرح العمدة، ولم يتعقبه (٣).

قال ابن قدامة في المغني «فأما محاريب الكفار فلا يجوز أن يستدل بها؛ لأن قولهم لا يستدل به، فمحاريبهم أولى، إلا أن نعلم قبلتهم كالنصارى، نعلم أن قبلتهم المشرق، فإذا رأى محاريبهم في كنائسهم علم أنها مستقبلة المشرق.

وإن وجد محرابًا لا يعلم، هل هو للمسلمين أو لغيرهم اجتهد، ولم يلتفت إليه؛ لأن الاستدلال إنما يجوز بمحاريب المسلمين، ولا يعلم وجود ذلك. ولو رأى على المحراب آثار الإسلام، لم يُصَلِّ إليه؛ لاحتمال أن يكون الباني له مشركًا مستهزئًا، يَغُرُّ بِهِ المسلمين، إلا أن يكون ذلك مما لا يتطرق إليه الاحتمال، ويحصل له العلم أنه من محاريب المسلمين، فيستقبله» (٤).

فالمحاريب لم يجعلها الحنابلة بمنزلة الخبر، حتى يشترط فيها عدالة من نصبها، فقد نص الحنابلة بأن محاريب المسلمين يلزم العمل بها، عدولًا كانوا أو فساقًا.

ومحاريب الكفار إن كان المقصود من المسألة هو في وجوب تقليدها، ولا يسوغ للمصلي معها الاجتهاد، فهذا لم أقف على قائل يقوله به.


(١) شرح تنقيح الفصول (ص: ٤٣٤)، الذخيرة للقرافي (١/ ١٤٢)، و (٢/ ١٢٣).
(٢) انظر الإشارة في أصول الفقه للباجي (ص: ١٨)، رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (٦/ ٨٣)، وانظر قولهم مفصلًا في الشرط الأول من هذه الشروط.
(٣) شرح العمدة، كتاب الصلاة (ص: ٥٧٥)، المغني لابن قدامة (١/ ٣١٨)، الإنصاف (٢/ ١١)، الفروع (٢/ ١٢٦).
(٤) المغني (١/ ٣١٨، ٣١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>