للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

جاء في أسنى المطالب: «ولا اجتهاد في محاريب المسلمين ومحاريب جادتهم، بالجيم أي معظم طريقهم وقراهم القديمة، بأن نشأ بها قرون من المسلمين وإن صغرت وخربت إن سلمت من الطعن؛ لأنها لم تنصب إلا بحضرة جمع من أهل المعرفة بسمت الكواكب والأدلة، فجرى ذلك مجرى الخبر» (١).

وهل قولهم: (قرون) مجاز، أرادوا به أن تمضي عليها سنون لم يطعن فيها، أو ذلك على سبيل الحقيقة، فلا بد أن يمضي قرون، والقرن مائة سنة، وأقل الجمع ثلاث، فلا بد من ثلاثمائة سنة، وإلا لم يثبت هذا الحكم؟

قال السيوطي: «ليس المراد بالقرون ثلاثمائة سنة بلا شك، ولا مائة سنة، ولا نصفها، وإنما المراد جماعات من المسلمين صلوا إلى هذا المحراب، ولم ينقل عن أحد منهم أنه طعن فيه، فهذا هو الذي لا يجتهد فيه في الجهة، ويجتهد فيه في التيامن والتياسر، وقد عبر في شرح المهذب بقوله: (في بلد كبير، أو في قرية صغيرة يكثر المارون بها حيث لا يقرونه على الخطأ) فلم يشترط قرونًا، وإنما شرط كثرة المارين، وذلك مرجعه إلى العرف، وقد يكتفى في مثل ذلك بسنة، وقد يحتاج إلى أكثر بحسب كثرة مرور الناس بها وقلته، فالمرجع إلى كثرة الناس، لا إلى طول الزمان» (٢).

فصارت الأقوال الفقهية في اشتراط كبر البلد؛ لاعتماد المحراب ثلاثة أقوال:

لا يشترط مطلقًا، وهو مذهب الحنفية والحنابلة.

والثاني: يشترط مطلقًا، وهو مذهب المالكية.

الثالث: إن كانت القرية يكثر فيها المارون، أو نشأ فيها قرون من المسلمين وجب تقليده، وإلا فلا. وهذا مذهب الشافعية، وهو أعدلها، وهو يرجع إلى اعتبار شرط المالكية من حيث المعنى، لا من حيث اللفظ، فإن القرية إذا كانت مطروقة كثيرًا من المسلمين، أو تعاقب عليها قرون صارت في حكم البلد الكبير، من حيث كثرة أهلها، فإن كبر البلد إنما يراد لكثرة أهلها، والله أعلم.


(١) أسنى المطالب (١/ ١٣٧).
(٢) الحاوي للفتاوى (١/ ٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>