(٢) قال خليل في مختصره (ص: ٣١): «ولا يقلد مجتهد غيره». ظاهر قوله (غيره) أنه يعم، سواء أخبر عن اجتهاد أو عن علم. ثم قال خليل: (ولا محرابًا إلا لمصر)، يعني ولا يقلد محرابًا إلا لمصر، فهل هو استثناء من الممنوع، فيفيد جواز التقليد؟ هذا ما رجحه ابن القصار وابن عرفة، قال في منح الجليل (١/ ٢٣٦): وهو التحقيق. ومعنى هذا أنه لو اجتهد مع وجود هذه المحاريب لم يمنع، وإذا كان يمكن الاجتهاد مع وجود المحاريب، وهي منصوبة من أمة من الناس، وعملوا بها، ولم يعترض عليها أحد، فَلئنْ يجتهد إذا أخبره آحاد الناس من باب أولى، ولو كان يخبره عن علم. وقال الخرشي في شرحه (١/ ٢٥٩): «إلا لمصر فلا يجوز له الاجتهاد حينئذٍ». وتفسير الخرشي هذا يتفق مع قول الحنفية والشافعية في منع الاجتهاد مع إمكان اليقين. قال في جامع الأمهات (ص: ٩١): «والقدرة على اليقين تمنع من الاجتهاد، وعلى الاجتهاد تمنع من التقليد». وعموم هذه العبارة تفيد أن الخبر إذا كان عن يقين فإنها مانعة من الاجتهاد، وهذا يتفق مع الحنفية والشافعية. وقال في الفواكه الدواني (١/ ٢٣٠): «ويجب على كل مكلف أن يتعلم أدلة القبلة إن لم يجد من يقلده». وانظر: حاشية الدسوقي (١/ ٢٢٦)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (١/ ٣٣٥)، فصار ظاهر مذهب المالكية إذا أخبر عن علم، حسب فهمي أنهم على قولين: أحدهما: جواز الاجتهاد، وجواز التقليد. والثاني: وجوب التقليد إذا أخبر عن علم، والله أعلم. (٣) قال النووي في الروضة (١/ ٢١٧): «وكما لا يجوز الاجتهاد مع القدرة على اليقين، لا يجوز اعتماد قول غيره، أما غير القادر على اليقين، فإن وجد من يخبره بالقبلة عن علم، اعتمده، ولم يجتهد». فجعل النووي الشرط لقبول الخبر عن علم أن يكون غير قادر على اليقين. ولهذا قال في حاشيتي قليوبي وعميرة (١/ ١٥٥): «وقول الروضة كأصلها: لا يجوز له اعتماد قول غيره يعم المجتهد والمخبر عن علم». وقال في نهاية المحتاج (١/ ٤٣٨): «ويمتنع عليه -أي من أمكنه علم القبلة- الأخذ بخبر الغير … ولو عن علم». وانظر فتح العزيز (٣/ ٢٢٦)، تحفة المحتاج (١/ ٤٩٦). وقال في الفروع (٢/ ١٢٥): «وإن أخبره عدل … عن علم لزم تقليده في الأصح خلافًا للشافعي، وفي التلخيص: ليس للعالم تقليده». وفي الإنصاف (٢/ ١١): «الصحيح من المذهب أنه يلزمه العمل بقول الثقة إذا كان عن يقين، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم. وقال في التلخيص: ليس للعالم تقليده. قال ابن تميم: وهو بعيد. وقيل: لا يلزم تقليده مطلقًا».