للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وكان تشريع الأذان متأخرًا عن تشريع الصلاة.

وقد تعرض الصحيحان لقصة تشريع الأذان من حديث أنس، وابن عمر ، وهما أصح ما في الباب، وهما صريحان بأن تشريع الأذان كان في المدينة.

فالصلاة في العهد المكي لم يكن لها أذان، بل لم يكن للصلاة أماكن معلومة يدعى الناس إلى الاجتماع فيها لفعل الصلاة، بل إن الأذان تأخر عن أول قدوم النبي المدينة.

(ح-٢) فقد روى البخاري من طريق عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحَذَّاء، عن أَبِي قِلَابَةَ،

عن أنس بن مالك، قال: لما كثر الناس، قال: ذكروا أن يُعْلِموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن يُورُوا نارًا، أو يضربوا ناقوسًا، فأُمِرَ بلالٌ أن يشفع الأذان، وأن يُوتِر الإقامة. ورواه مسلم بنحوه (١).

وقوله: (لما كثر الناس) دليل على أن الأذان تأخر عن أوَّل قدوم النبي المدينة حتى كثر الناس، وانتشروا في المدينة وما حولها، واشتد عليهم حينئذٍ إعلامهم بالصلاة، فاحتاجوا إلى تعليم وقت الصلاة بشيء يعرفونه معرفة تامة (٢).

فهذه إحدى روايتي الصحيح في تاريخ مشروعية الأذان، وهي تذكر أن الأذان كان عن مشاورة، وأنهم ذكروا النار والناقوس، وكل هذا واضح أنها كانت آراء طرحت في مجلس التشاور، ثم انتقل الحديث بعد ذلك إلى خلاصة ما اتفقوا عليه بقوله: (فأُمِرَ بلالٌ أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة)، فلم يتعرض الحديث كيف اهتدوا إلى الأذان، ولا كيف اتفقوا عليه حتى أُمِرَ بلالٌ أن يجعله شفعًا وأن يوتر الإقامة.

كما أن الحديث صريح بأن الأذان شرع في المدينة.


(١) صحيح البخاري (٦٠٦)، وصحيح مسلم (٣ - ٣٧٨).
قال ابن رجب في الفتح (٥/ ١٨١): ولا يعرف ذكر النار إلا في هذه الرواية، وإنما في أكثر الأحاديث ذكر الناقوس والبوق. اه
(٢) انظر فتح الباري لابن رجب (٥/ ١٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>