للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقيل: معناه لا تكن غادرًا، فتدنس ثيابك؛ فإن الغادر دنس الثياب. قال ابن سيده: ويقال للغادر: دنس الثياب.

وقيل: معناه: وثيابك فقصر؛ فإن تقصير الثياب طهر؛ لأن الثوب إذا انجَرَّ على الأرض لم يؤمن أن تصيبه نجاسة، وقصره يبعده من النجاسة.

وقيل معنى قوله: وثيابك فطهر، يقول: عملك فأصلح.

وروى عكرمة، عن ابن عباس في قوله ﷿: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: ٤]، يقول: لا تلبس ثيابك على معصية، ولا على فجور وكفر، وأنشد قول غيلان:

إني بحمد الله لا ثوبَ غادِرٍ لبستُ ولا من خزيةٍ أتقنعا (١).

واللفظ إذا منع مانع من حمله على ظاهره، وكان للتأويل وجه في اللغة العربية لم يمنع من حمله عليه، فالأصل في لفظ (الثياب) هو إطلاقها على اللباس الظاهر، لكن منع من ذلك ما سبق أن ذكرناه من كون الآية نزلت قبل فرض الصلاة والوضوء.

الجواب الثاني:

إنْ سلَّمْنَا أن المراد بالثياب اللفظ الحقيقي، وهو اللباس الظاهر، فإن غاية ما يستفاد من الآية الوجوب، والوجوب لا يستلزم الشرطية؛ لأن كون الشيء شرطًا: حكمٌ شرعيٌّ وضعيٌّ، لا يثبت إلا بتصريح الشارع بأنه شرط، أو بتعليق الفعل به بأداة الشرط، أو بنفي الفعل من دونه نفيًا متوجهًا إلى الصحة لا إلى الكمال، أو بنفي الثمرة ولا يثبت بمجرد الأمر به.

فلم يَأْتِ من الشارع قوله: لا صلاة إلا بالطهارة من الخبث، أو من لم يتطهر من الخبث فلا صلاة له. أو لا يقبل الله صلاة أحدكم إلا بالتطهر من الخبث، كما قال في الطهارة من الحدث: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ (٢).

وما دام أنه لم يَأْتِ ما يفيد الشرطية فلا يصح القول بالشرطية.


(١) لسان العرب (٤/ ٥٠٤، ٥٠٥)، القاموس المحيط (ص: ٥٥٤) العين (٤/ ١٨، ١٩)، مختار الصحاح (٢/ ٣٧٩)، وانظر: أنيس الفقهاء (ص: ٤٦).
(٢) البخاري (١٣٥)، ومسلم (٢٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>