للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

تَنْبِيه ثَانٍ: وهو جَوَاب عن سُؤال مُقَدَّر، وهو أنّه إذا نُسِب مِثْل النَّسَائي وهو إمام حُجَّة في الجَرْح والتَّعْدِيل إلى مثْل مَا نُسب إليه عَلَى تَقْدِير صحَّةِ كَلام يَحْيَى فيه على مَا ظَنَّه النَّسَائي، ولكن النَّسائيّ إنَّما أرَادَ أحمد بن صَالِح بن الطَّبَرِيّ بَعَينِه صَاحِب الترجمة، فَكَيْف يوثق بِكَلامه في ذَلك؟

وقَدْ أجَابَ عنه الحَافِظ الفَقِيه العَلَّامَة تَقِيّ الدِّين أبو عَمْرو بن الصَّلاح بأَنَّ عَيْن السَخَط تُبِدي مَسَاؤِيَ، لها في البَاطِن مَخَارِج صَحِيحَة، تَعْمى عنها بحجاب السّخَط، لا أنَّ ذلك يَقَعُ من مثِلِه تَعَمُّدًا لِقَدح يَعْلم بُطْلانَه (١)، والله أعلم.

فَائدة: ذَكَر الإمام العَلَّامة الحَافِظ تَقِي الدِّين ابن دَقِيق العِيدِ الوُجُوه الّتي تَدْخل الآفَةُ مِنْها في ذلك:

أَحَدُها: الهَوَى، وهو شَرُّها، وهو في تَوَاريخ المُتَأخِّرين كَثير.

والثَّانِي: المُخَالَفَة في العَقَائد.

والثَّالِث: الاختلاف بَيْن المُتَصَوّفَة وأهل عِلْم الظَّاهِر.

والرَّابِع: الكَلامَ بِسَبَب الجَهْل بَمِرَاتِب العُلُوم وأكثر ذلك في المتأخّرين لانشغالهم بِعُلُوم الأوَائل، وفيها الحَقّ كالحسَاب والهَنْدَسَة والطِّبِّ، وفيها البَاطِل كالطَّبِيعيّات وكَثيِر من الإلهِيّات وأَحْكَام النُّجُوم.

والخَامسِ: الأخذ بالتَّوَهّم مَعَ عَدَم الوَرع (٢)، ومَا قَاله وَاضح وقد عقد الحَافِظ أبو عُمَر بن عبد البَرّ شَيْخُ المَغْرِب في كتاب العلم بَابًا لِكَلام الأقران المُتَعَاصِرِين بَعْضِهم في بَعْض، ورَأَى أنَّ أهْلَ العلْم لا يَقْبَل جَرْحَهم إلّا بِبَيَان وَاضِحٍ (٣) انتهى.


(١) مقدمة ابن الصَّلاح ص: ١٩٤ في آخر النّوع الحَاديِ والسِّتِين.
(٢) نَقَل كلام الإمام ابن دقيق العِبدْ بِلَفْظِه الإمام السُّيُوطِي في تدريب الروِي ٢/ ٣٧٠.
(٣) راجع كتاب جامع بيان العلم وفضله ٢/ ١٨٤ - ٢٠٠ باب حكم قول العلماء بعضهم في بعْضٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>