للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فَائدَة (١): ليَعْلم الوَاقِفُ على ذَلك أنَّ المُدَلِّسِين مِنَ الثَّقَات لَيْسُوا عَلَى حَدٍّ واحِدٍ بحيث أنَّه يُتَوَقَّف في كُلِّ مَا قَال فيه كُلّ وَاحِدٍ منهم: عَنْ، ولم يُصَرِّح بِالسَّمَاع، بل هُم على طَبَقَاتٍ.

أوّلُها: تَدْلِيس سُفْيَان بن عُيَيْنَة، فَاعْلَم أنَّ ابن عبد البَرّ قد حَكَى عن أئمة الحَدِيث أنَّهم قَالُوا: يُقْبَل تَدْلِيسُه، لأنَّه إذِا وُقّف أَحَالَ على ابن جُرَيج ومَعْمَر ونُظَرَائهما، وهَذَا ما رَجَّحَه ابن حِبَّان: بِكَسْر الحَاءِ كما تَقَدَّم، وَقَال: هَذَا شئ لَيْسَ في الدُّنْيَا إلّا لِسُفْيَان ابن عُيَيْنَة، فإنَّه كَانَ يُدَلِّس، وَلا يُدَلّس إلّا عن ثِقَةٍ مُتْقِنٍ وَلا يَكَاد يُوجَدُ لابن عُيَيْنَة خَبَرٌ دَلّس فيه إلّا وقد بَيَّن سَمَاعَه عن ثِقَةٍ مِثْل ثِقَتِه، فَالخِلاف المَعْرُوض في المُدَلِّس هو في غير ابن عُيَيْنَة فَاعْلَمْه.

الطَّبَقَة الثَّانِيَة: مَنْ لَمْ يُوصَفْ بِذَلك إلّا نَادِرًا جِدًا بِحَيْث أنّه لا يَنْبَغِي أن يُعَدَّ فيهم، كَيَحْيَى بن سَعِيد الأنْصَارِيّ، وهِشَام بن عُرْوة ومُوسَى بن عُقْبَة.

ثَالِثُها: من احتَمَل الأئمةُ تَدْلِيْسَه، وخَرّجُوا لَه في الصَّحِيح، وإن لم يُصَرِّح بالسَّمَاع، وذَلكَ إمّا لإمَامَتِه أو لِقلَّة تَدّلِيسِه في جَنْب مَا رَوَى، أو أنّه لا يُدَلِّس إلّا عن ثِقَة وذلك كالزُّهْرِيّ وسُلَيْمان الأعَمش وإبراهيم النَّخَعِيّ وإسماعيل بن أبى خَالِد وسُلَيْمان التَّيْمِي وحُمَيد الطَّوِيل، والحَكَم بن عُتَيْبَة، ويَحْيَى بن أبى كَثير، وابن جُرَيج، والثَّوْرِيّ، وشَرِيك وهُشَيم، فَفِي "خ، م" وغيرهما لِهَولاء الحَدِيث الكَثِير مِمّا لَيْسَ فيه التَّصْريح بِالسَّمَاع، فَبَعْض الأئمة حَمَل ذلك على أنَّ "خ، م" اطْلَعَا على سَمَاع الوَاحِد لِذَلك الحَدِيث الّذِي أخْرَجَه بِلَفْظَةِ "عن" ونَحْوِها من شَيْخِه، وفِيه نَظَرٌ، بل نَقَلَ بعض أَصْحَابِي لي عن


(١) راجع هذا البحث كله مع اختلاف يسير في التّبيين لأسماء المدلسين ص: ٣٥٨ تحت عنوان "بيان اختلاف مراتب المدلسين من خمسة وجوه" وانظر أيضًا جامع التحصيل في أحكام المراسيل ص:١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>