للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والقَوْلُ الثَّانِي: إنَّه إن كان عَدَدُ المُعَدِّلين أكثر قُدِّم، لأنّ الكَثْرة تُقَوِّي حَالَهم، وتُوجِب العَمَلَ بِخَبَرهِم، وقلَّة الجَارِحِين تَضْعف خبرهم، وخَطّأ الخَطِيب هَذَا (١).

والقَوْلُ الِثَّالِث: إنّه يَتَعَارَض الجَرْحُ والتَّعْدِيل، فَلا تُرجح أحدهما إلّا بِمُرَجّح، حَكَاه ابن الحَاجِب (٢)، وَكَلام الخَطِيب يَقْتَضِي نَفْيَ هَذَا القَول الثَّالِث مَسْئلَة في التَّعْدِيل والتَّجْرِيح، هل يُقْبَلانِ أو أَحَدُهما من غَيْرِ ذكِر أَسْبَابِهما، أم لا يُقْبَلان إلّا مُفَسَّرَين، على أَرْبَعَة أقوالٍ:

الأوَّلُ - وهو الصَّحِيح المَشْهُور -: التَّفْرِقَةُ بَيْن التَّعْدِيل والتَّجْرِيح، فَيُقْبَل التَّعْدِيل من غَيْر بَيَان أَسْبَابِه، لأنّ أَسْبَابَه كَثيرةٌ، فيثقل ويَشُقّ ذكِرُهَا، وأمّا الجَرْح فلا يُقْبل إلّا مُفَسَّرًا مُبَيّنَ السَّبَب، لأَنَّه يَحْصُل بأَمْرٍ واحِدٍ، فلا يَشُقّ ذكرُه، ولأنّ النَّاس مُختلِفون في أَسْبَاب الجَرْح (٣).

والقَوْل الثَّانِي: عَكْسُ القَول الأوّل، أنّه يَجِب بَيَانُ سَبَب العَدَالة، وَلا يجب بيان سَبَب الجَرحِ، لأَنَّ أَسْبَاب العَدَالةِ يَكْثر التَّصَنّع فيها فَيُثْنِي المُعَدِّلُون على الظَّاهِر، حَكَاه صَاحِبُ المَحْصُول (٤) وغيره.

القَوْلُ الثَّالِث: أنّه لابُدّ من ذِكْر سَبَب العَدَالَة والجَرْحِ مَعًا، حَكَاهُ الخَطِيب البَغْدَادِي، والأصُوليُّون قَالُوا: كما يُجَرَّح الجَارِح بِمَا لا يَقْدح، كذلك يُوَثّق المُعَدِّل بِمَا لا يَقْتَضِي العَدَالَة.


(١) الكفاية ص: ١٧٧ فقال فيه الخطيب: لأنَّ المُعَدّلين وإن كثروا ليسوا يخبرون عن عدم ما أخبر به الجارحون، ولو أخبروا بذلك، وقالوا: نشهد أنّ هذا لم يقع منه، لخرجوا بذلك من أن يكونوا أهل تعديل أو جرح، لأنها شهادة باطلة على نفي ما يَصح، ويجوز وقوعه إن لمْ يعلموه، فثبت ما ذكرناه.
(٢) بيان المختصر ١/ ٧٠٨.
(٣) راجع مقدمة ابن الصلاح ص: ٥١.
(٤) المَحْصُول ٢/ ١/ ٥٨٧ بلفظ: وقال قوم: يجب ذكر سبب التعديل دون الجرح، لأنّ مطلق الجرح يبطل الثقة، ومطلق التعديل لا يُحَصّل الثقة لتسارع الناس إلى الثناء على الظَّاهر، فلابُدَّ من سبب.

<<  <  ج: ص:  >  >>