للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتوجّه ذلك الغلام، وغاب ساعة، ثم عاد وأخبر السلطان، أنّ بتلك الخيمة الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن مكانس، وشمس الدين محمد أبو البركات، ناظر الدولة، وعندهم جماعة من المغانى وأرباب الآلات، وهم يشربون الخمر.

فلما سمع السلطان ذلك، أرسل إليهم جماعة من المماليك الأجلاب، فهجموا عليهم وقبضوا عليهم أجمعين، حتى على من كان عندهم من المغانى، وغير ذلك من أصحاب الوزير ابن مكانس.

فلما أحضروهم بين يدى السلطان، أمر بضرب الصاحب كريم الدين بن مكانس، فضرب بالمقارع بين يدى السلطان عدّة شيوب، وقرّر عليه مائة ألف دينار يردّها للخزائن الشريفة؛ ثم إنّ السلطان عفا عن الباقين، وأطلقهم إلى حال سبيلهم؛ أورد ذلك المقريزى فى كتاب السلوك (١).

وعدّ ذلك من مساوئ الظاهر برقوق، وقد قال القائل فى المعنى:

احذر تعاشر من يكن طبعهم … ظلم الورى دأبا وإن أحسنوا

لقول ربّ العرش سبحانه … فى محكم الذكر ولا تركنوا

وفيه ابتدأ السلطان بلعب الرمح للمماليك، من بعد الظهر إلى أذان العصر، وأمر المماليك بأن ينزلوا من الطباق، ويلعبوا (٢) الرمح، إلى وقت العصر، فهو أول من أحدث ذلك من الملوك، ورسم لهم بأن يلعبوا قدّامه فى الحوش السلطانى؛ واستمرّ ذلك من بعده إلى الآن.

وفيه كانت وفاة الكاتب المجيد الشيخ مجد الدين إسمعيل، المعروف بالزمكحل، وكان فريد عصره، ووحيد دهره، غاية فى الكتابة بقلم الغبار، حتى قيل كان يكتب سورة الإخلاص على أرزة، وتقرأ لكل أحد واضحة، وكتب عدّة مصاحف حمايلية


(١) السلوك: أورد المقريزى هذا الخبز فى اختصار، وذلك بين أخبار شهر ربيع الأول سنة ٧٨٩، ولم يذكر كل التفاصيل المذكورة هنا. انظر السلوك ج ٣ ق ٢ ص ٥٦١؛ هذا وقد أورد ابن إياس هذا الخبر مرة أخرى باختصار هنا فيما يلى ص ٣٨٤، بين أخبار شهر ربيع الأول سنة ٧٨٩، وذلك كما فعل المقريزى فى السلوك.
(٢) ويلعبوا: ويلعبون.