للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما حصلت هذه النصرة، عاد العسكر إلى القاهرة وهم فى غاية النصرة، فطلع الأمير بيبرس، الدوادار، إلى القلعة، وأخلع عليه السلطان خلعة سنية، ونزل إلى بيته فى موكب حفل، والأمراء قدّامه؛ وكان الأمير بيبرس، الدوادار، سعيد الحركات، وكان عالما فاضلا، فقيها نحويا، ينظم الشعر، وله شعر جيّد، وألّف له تاريخا (١)، سمّاه «زبدة الفكرة فى تاريخ الهجرة»، وجمع فيه جملة محاسن وفوائد، ومن شعره قوله:

ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله … وأخو الجهالة فى الشقاوة ينعم

الناس فى نظر العيون كما ترى … صور وإن قليلهم من يفهم

انتهى ذلك.

[ثم دخلت سنة سبعمائة من الهجرة]

وهو القرن السابع والمائة، فيه رسم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون بتغيير زىّ اليهود والنصارى والسمرة؛ وكان سبب ذلك ما حكاه الشيخ شهاب الدين ابن أبى حجلة فى «السكردان»، أنّ شخصا مغربيّا كان جالسا بباب القلعة، فدخل عليه بعض كتّاب الديوان، وهو بعمامة بيضاء، فقام إليه ذلك المغربى، وبالغ فى تعظيمه، وظنّ أنّه مسلما، فتبيّن له أنّه من النصارى.

فدخل ذلك المغربى على السلطان، وفاوضه فى الكلام، بأن يغيّر زىّ أهل الذمّة، فأجابه الملك الناصر إلى ذلك، وأمر بإشهار النداء فى القاهرة، بأنّ اليهود يلبسوا (٢) عمائم صفر، والنصارى يلبسوا عمائم زرق، والسمرة يلبسوا (٢) عمائم (٣) حمر، فامتثلوا ذلك من يومئذ، واستمرّوا على هذه الهيئة إلى اليوم، فهذا كان سببا لتغيير زيّهم؛ وفى هذه الواقعة يقول الشيخ شمس الدين محمد الطيبى، وهو قوله:

تعجّبوا للنصارى واليهود معا … والسامريّين لما عمّموا الخرقا


(١) تاريخا: تاريخ.
(٢) يلبسوا: كذا فى الأصل.
(٣) عمائم حمر: عائم حمر.