قال عبد الله بن عبد الحكم: اعلم أنّ أرض مصر كانت فى الزمن الأول، تشتمل على مائة وخمسين كورة، وثلثماية وخمس وستين قرية، كل قرية تصلح أن تكون مدينة على انفرادها، وقد قال الله تعالى: ﴿وَاِبْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ﴾ فخرب منها قبل دخول بخت نصّر إليها، ثمان وستون كورة، فلما عمرت بعد تخريب بخت نصر لها، صارت تشتمل على خمس وثمانين كورة؛ ثم تناقصت حتى جاء الإسلام، وفيها أربعون كورة عامرة؛ ثم استقرّت أرض مصر كلها على قسمين، الوجه القبلى، والوجه البحرى، وقد قسّمت أرض مصر جميعها، قبليها وبحريها، على ستة وعشرين عملا، شرقيها، وغربيها، وقبليها، وبحريها.
قال الكندى: صوّرت للرشيد صورة الدنيا كلها فى درج، فلما تأمّلها فما أعجبه منها غير كورة أسيوط، من أعمال الصعيد، فرأى مساحتها نحو ثلاثين ألف فدان، فى ساحة واحدة، لو قطرت قطرة من السماء، فاضت على جميع جوانبها، فتزرع هذه الساحة فى زمن الربيع، القرط والكتان والقمح والفول وسائر الغلال، فتصير كأنّها بساط من سندس أخضر، ومن الجانب الغربى جبل أبيض على صورة الطيلسان، كأنّه قرون، ويحفّ بها من الجانب الشرقى النيل، كأنّه جدول من فضّة، لا يسمع فيها غير ترنّم الأطيار على الأشجار، وهى أحسن كورة من أعمال الصعيد، انتهى.
[ذكر وادى هبيب]
هذا الوادى بالجانب الغربى من أرض مصر، فيما بين مربوط والفيوم، وكان يجلب منه الملح والأطرون، وكان به مائة دير للنصارى؛ قيل لما فتح عمرو بن العاص مصر، خرج إليه من وادى هبيب سبعمائة راهب، يطلبون منه الأمان، فكتب لهم أمانا، وبقى عندهم يتوارثونه إلى الآن؛ وكان يجلب منه الملح الأندرانى، وهو