للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الشيخ أكمل الدين مقيما بحلب، ثم دخل إلى مصر، وأخذ العلم عن الشيخ شمس الدين الأصبهانى، وأبى حيان، وغيرهما من المشايخ وأعيان العلماء، وكان ماهرا فى الفقه والحديث والعربية والنحو والأصول، مشاركا عند المباحثة فى كل فنّ، وله عدّة تصانيف مشهورة، منها: شرح الهداية، وشرح التلخيص، وشرح المشارق، وشرح الألفية لابن معطى، وشرح البرماوى فى المعانى والبيان، وغير ذلك من العلوم الجليلة؛ وكان معظّما عند الملوك والسلاطين، ولا سيما الظاهر برقوق، فإنّه كان ينزل إليه فى الخانقاة الشيخونية كل قليل، ويزوره ويستشيره فى الأمور المهمّات، وكانت رسالته لا تردّ عند الأكابر والأعيان، وسئل بقضاء الحنفية غير ما مرّة، وهو يأبى من ذلك.

ولما مات نزل السلطان من القلعة، وحضر جنازته، ولما مرض نزل إليه وعاده، فأخرجوه من الخانقاة الشيخونية، وصلّوا عليه فى سبيل المؤمنى، ومشى السلطان أمام نعشه، وأراد أن يحمل نعشه، فلم يمكّنوه الأمراء من ذلك، فصلّوا عليه، ثم عادوا به إلى الخانقة الشيخونية ثانيا، ومشى السلطان أمام نعشه ثانيا، إلى الخانقاة الشيخونية، وحضر دفنه، فدفن داخل القبّة بجوار قبر الأتابكى شيخو؛ وكثر عليه الأسف والحزن من الناس قاطبة، وكان محبّبا إليهم؛ وقال الشيخ شهاب الدين بن أبى حجلة، يرثيه من أبيات:

شيخ إلى سبيل الرشاد مسلك … وسبيله فى العلم ما لا يجهل

شيخ تبحّر فى العلوم فمن رأى … بحرا يسوغ لوارديه المنهل

شيخ عليه من المهابة رونق … كالبدر لكن وجهه متهلّل

شيخ تقدّم فى العلوم لأنّه … إن عدّ أرباب الفضائل أوّل

شيخ بحسن بيانه وشروطه … ما بات بالمفتاح باب مقفل

ما قيل هذا كامل فى ذاته … إلاّ قلت الشيخ عندى أكمل

وفيه يقول الشهاب بن العطار:

رم شيخ الإسلام الذى فضله … قد عمنا تشريفه المكمّل