للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما مات الملك، فاختاروه الرعيّة أن يكون ملكا عليهم، فولّوه الملك بمدينة منف، فأظهر العدل، ونظر فى أحوال المملكة، فأقام جسورها، وبنى (١) قناطرها، وقطع جزائرها، وحفر خلجانها، وكان بها سبعة خلجان جارية، شتاء وصيفا، لا ينقطع عنها الماء، وهم: خليج الإسكندرية، وخليج سخا، وخليج دمياط، وخليج سردوس، وخليج منف، وخليج المنتهى، وخليج الفيوم.

وكان يرسل مائة ألف وعشرون ألف رجل، ومعهم الطوارى والمساحى، بسبب قلع القضاب والحلفاء، وكل نبات يضرّ بالأرض، فيسيرون قبلى وبحرى، ولهم رواتب معلومة بسبب ذلك.

وكان يرسل فى أيام التخضير قائدين من قوّاده، ومع كل واحد منهما أردب من القمح، فيذهب أحدهما إلى أعلا بلاد الصعيد، والآخر إلى أسفل البلاد البحرية، فإن وجدا مكانا من الأرض بائرا بغير زرع، فيكاتبا فرعون بذلك، فيرسل بصلب عامل ذلك المكان بسبب بوره، وربما عاد القائدان ومعهما القمح ولم يجدا مكانا بائرا بأراضى مصر.

وكان أهل النواحى يكرون القرى من أهلها، بكراء معلوم، لا يزيد (٢) ولا ينقص، فإذا مضى أربع سنين ينقص ذلك، ويعدّل تعديلا جديدا، فيرفق بمن يستحقّ الرفق، ويزاد على من يحمل الزيادة.

فلما دبّر أراضى مصر هذا التدبير، استقامت أحوال الديار المصرية، وصار خراجها يومئذ مائة ألف ألف دينار، بالدينار الفرعونى، وكان يومئذ ثلاثة مثاقيل بالمثاقيل الآن، فيكون ذلك ثلثماية ألف ألف دينار وسبعين ألف ألف دينار.

فإذا تكامل جى الخراج، فيأخذ فرعون من ذلك الربع لنفسه، والربع الثانى لجنده، والربع الثالث لمصالح القرى، وما تحتاج إليه من حفر الخلجان، وبناء القناطر، وإصلاح ما فسد من الجسور، وغير ذلك، والربع الرابع يدفن فى الأرض بسبب


(١) وبنى: وبنا.
(٢) يزيد: يزد.