للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى الملاحم، فلما وقف عليه فرعون رأى به علامات، تدلّ على ما عنده فى الملاحم، بأنّ من يكون به هذه الصفة لا بدّ أن يملك مصر. فقال له هامان: «من أى أرض أقبلت»؟ فقال فرعون: «من بلخ»، فقال هامان: «هل لك فى صحبتى»؟ فقال فرعون: «إن شئت، كنت كذلك»، فأضافه هامان تلك الليلة.

ثم إنّ فرعون اشترى حمل بطيخ، وجاء به إلى باب المدينة، فلما أراد أن يدخل من باب المدينة، نهبوه منه جماعة من البوّابين، فلم يبق (١) معه غير بطيخة واحدة، فباعها بقدر ما اشترى الحمل؛ ثم قال للناس: «أما فى هذه المدينة من ينظر فى مصالح الرعيّة»؟ فقيل له: إنّ ملك هذه المدينة مشغول (٢) بلذّته، وفوّض أمر مملكته لوزيره، فهو لا ينظر فى مصالح الناس؛ فقال فرعون فى نفسه: هذا وقت انتهاز الفرصة.

ثم خرج إلى المقابر، وصار لا يمكّن الناس أن يدفنوا موتاهم إلا بخمسة (٣) دنانير على كل رأس؛ فقدّر أنّ بنت الملك ماتت، فلما أرادوا دفنها، فقال: «هاتوا خمسة دنانير، العادة»، فقالوا له: «ويحك هذه بنت الملك»، فقال: «ما آخذ عليها إلا عشرة دنانير»، فما مكّنهم من دفنها حتى أخذ عليها عشرة دنانير.

فلما بلغ الملك خبره، فقال: «من يكون هذا الرجل»؟ فقالوا له: «الذى عملته عامل الأموات»، فأنكر الملك ذلك، وأرسل خلف فرعون، فلما حضر بين يديه، قال له: «ومن عملك عامل الأموات»؟ فأخبره بما جرى له فى الحمل البطيخ، ثم قال له: «وإنما عملت عامل الأموات حتى يصل إليك خبرى، وتستيقظ لنفسك، وتنظر فى مصالح رعيّتك، وقد حفظت لك فى هذه المدّة مالا لا يحصى».

فلما سمع الملك كلامه، أفصل وزيره الذى كان يغشّه، واستقرّ به وزيرا، فلما تولّى سار فى الناس سيرة حسنة، وعدل فى الناس، وكان يقضى بالحق، ولو على نفسه، فأحبّته الرعيّة.


(١) فلم يبق: فلم يبقى.
(٢) مشغول: مشغولا.
(٣) إلا بخمسة: إلى بخمس.