للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البهائم إليها، فتذبح نفسها بها من غير يد؛ وعمل ماء يستحيل نارا، ونارا تستحيل ماء؛ وعمل أشياء غريبة من هذه الأنواع.

ولم يزل على ذلك حتى نزل ذات يوم فى مركب، ومرّ إلى نحو حلوان، فقام عليه ريح عاصف، فغرق فى البحر عند حلوان، فطلعوا به وحمل إلى منف، فدفن بها.

وهو الذى توفّى يوسف، ، فى أيامه، ودفن بالفيوم؛ قال ابن لهيعة:

«أقام يوسف مدفونا فى بحر الفيوم، وهو فى صندوق رخام مرمر، فى وسط البحر، نحو ثلثماية سنة، حتى نقله موسى، ، إلى بيت المقدس».

ولما هلك دارم بن الريان، تولّى بعده دريموس، وقيل اسمه عند القبط ميلاطيس، وهو الفرعون الرابع؛ وكان عالما بعلوم السحر، والكهانة، ومن أعماله العجيبة، أنّه عمل ميزانا بكفّتين من ذهب، وعلّقها (١) فى هيكل الشمس، وكتب على إحدى كفّتيها «حقّ» والأخرى «باطل»، وجعل تحتها فصوصا، ونقش عليها اسم الكواكب؛ فإذا دخل الظالم والمظلوم، وأخذ من تلك (٢) الفصوص فصّا، وجعله فى كفّة الميزان، فتثقل كفّة الظالم، وتخفّ كفّة المظلوم؛ وقيل إنّ بخت نصر، لما دخل مصر، أخذ هذه الميزان، ونقلها إلى بابل، مع جملة ما أخذه من مصر.

واستمرّ دريموس فى ملكه بمدينة منف حتى هلك، وتولّى بعده الوليد بن مصعب، وهو الفرعون الخامس، فرعون موسى، .

قال وهب بن منبه: كان أصل فرعون من مدينة بلخ، وقيل من أرض حوران، من نواحى الشام؛ وكان عطّارا، فتجمّد عليه دين، فخرج هاربا من أصحاب الديون، حتى دخل مدينة منف، وكانت يومئذ دار المملكة، وكان فرعون بشع المنظر، أعور بعينه اليسرى، وكان طول لحيته سبعة أشبار، بحيث إنّه كان يعثر فيها؛ وكان قصير القامة، يعرج برجليه عرجا فاحشا، وكان بجبهته شامة سوداء كبيرة.

فلما دخل منف، وقف على خبّاز يقال له هامان، وكان هامان كثيرا للقراءة


(١) وعلقها، يعنى الميزان، ويلاحظ أن المؤلف أشار إلى الميزان بصيغة التأنيث فى القصة كلها.
(٢) تلك: ذلك.