للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حماة، عوضا عن طشتمر القاسمى، بعد موته؛ وخلع على نجم الدين محمد الطنبدى، وأعيد إلى وكالة بيت المال، عوضا عن ابن عرب. - وفيه سارت رسل بغداد، بعد ما خلع عليهم.

وفى شهر شعبان، فيه رسم الأتابكى برقوق بتغريق الوزير كريم الدين عبد الكريم ابن مكانس، فتوجّهوا به إلى الجزيرة الوسطى، ووضعوه فى البحر، وهو مكتّف من يديه ورجليه بحبل، فأقام فى الماء نهارا كاملا، حتى شفع فيه بعض الأمراء من التغريق.

وفيه نفى جمال الدين محمود العجمى، محتسب القاهرة، فشفع فيه الأمير أيتمش البجاسى من النفى، وأمره بأن يلزم بيته، وسبب ذلك أنّه نقل عنه لقاضى القضاة الحنفى صدر الدين محمد بن منصور، عن الأتابكى برقوق، أنّه قال بالتركية لمن حوله، وهو فيهم: «إنّ القضاة ليسوا (١) بمسلمين».

فشقّ ذلك على قاضى القضاة صدر الدين بن منصور الحنفى، فركب وتوجّه إلى بيت قاضى القضاة برهان الدين بن جماعة الشافعى، واستشاره فى عزل نفسه عن القضاء، وقال له: «أنا قطعت عمرى فى الاشتغال بالعلم فى دمشق، ثم فى آخر عمرى أنفى عن الإسلام»؟ وحدّثه بما نقله له محمود العجمى، المحتسب، عن الأتابكى برقوق؛ فلما سمع ابن جماعة ذلك، تغيّر خاطره على الأتابكى برقوق، وقام على الفور، وطلع إلى برقوق، وأخبره بما نقله عنه محمود العجمى، فغضب على محمود العجمى، وعزله من الحسبة، ورسم بنفيه إلى القدس.

وكان الأتابكى برقوق فى هذه الأيام صار يقع فى حقّ القضاة والفقهاء بما لا بليق، بعد ما كانت القضاة والفقهاء عند الأمراء والأكابر، يبجّلونهم ويعظّونهم إلى الغاية، وقد انحطّ قدر القضاة والعلماء فى آخر دولة الظاهر برقوق، وفى دولة ابنه الناصر فرج، وما بعد ذلك، ينزلون عند أرباب الدولة منزلة السوء، حتى صار أقلّ الناس من الأراذل، يخاطبونهم بكل قبيح، وقد ذلّوا أنفسهم فى طلب الدنيا، وحبّ المناصب، فلا حول ولا قوّة إلا بالله - نقل ذلك المقريزى (٢).


(١) ليسوا: ليس.
(٢) المقريزى: انظر السلوك ج ٣ ص ٤٤٧ - ٤٤٨.